رئيس التحرير
عصام كامل

اللاجئون المغاربيون.. بين مغامرة اللجوء وهاجس العودة

فيتو

خلال العامين الماضيين لجأ آلاف الشباب المغاربي إلى ألمانيا بهدف تحسين ظروفهم الاجتماعية، لكن بعد أحداث التحرشات الجنسية في كولونيا سرعان ما تبخرت أحلام هؤلاء الشباب عقب قرار ترحيلهم ورفض طلبات لجوئهم، كما يرينا تقرير DW.

منذ أحداث كولونيا أصبح حي كالك الشعبي، وحي المغاربة بمدينة ديسلدورف، نحو 40 كيلومترًا شمال كولونيا، من أكثر الأحياء التي تشهد حملات مداهمة، وذلك بسبب تشديد الإجراءات في ألمانيا، بعدما تبين أن نسبة مهمة من المشتبه بهم هم من طالبي اللجوء، وعدد منهم من جنسيات مغاربية.

العودة.. فشل وعار
ميلود،20 عامًا، شاب مغربي ينحدر من إحدى القرى الفقيرة شمال المغرب، وصل ميلود إلى ألمانيا بعد معاناة كبيرة ويعيش حاليًا هاجس رفض طلب لجوئه والعودة القسرية، بعد أن قضى مدة ثلاث سنوات في ألمانيا.

ويقول ميلود لـ DW عربية: "أنا من عائلة فقيرة والوضعية الاقتصادية لمنطقتنا صعبة للغاية، لهذا قررت في سن السابعة عشرة أن أتسلل إلى إسبانيا بطريقة غير مشروعة عن طريق مدينة طنجة، كمعظم المهاجرين السريين"، ويضيف: "لم أخبر أحدا بالأمر ماعدا والدتي، لأن والدي كان سيرفض حتمًا".

ميلود تسلل إلى إسبانيا عن طريق الاختباء في محرك إحدى الشاحنات المتوجهة إلى أوروبا ويقول: "اختبأت في محرك الشاحنة من طنجة إلى أن وصلنا إسبانيا، حين شعرت أني أشرفـت على الموت، صرخت لكي يسمعني السائق وأبلغ الشرطة وبعدها دخلت إلى ألمانيا كلاجئ".

تعلم الشاب الأمازيغي اللغة الألمانية، وهو يستعد الآن لبدأ تكوينه المهني، لكن قوانين اللجوء الأخيرة، جعلته يعيش مع هاجس العودة وضياع ثلاث سنوات منه: "أنا لا أجد معنى لما تقوم به الحكومة الألمانية مع طالبي اللجوء، في البداية تصرف أموالا كثيرة على اندماجهم وعندما يصلون لهذا الهدف تقرر فجأة إعادتهم إلى بلدانهم.

ويضيف الشاب: "بالنسبة لي كان الأمر سيكون أسهل لو رفض طلب لجوئي في البداية، وليس بعد ثلاث سنوات، ويتابع كلامه بحرقة: "عودتي الآن تعني الفشل بالنسبة لعائلتي وأصدقائي".

ويرى ميلود أن أحداث كولونيا أثرت بشكل كبير فى علاقة الألمان بالمهاجرين وبالأخص علاقة المهاجرين بالنساء الألمانيات ويقول: "عندما أريد أن أسال عن أمر ما وأرى امرأة تسير في الشارع، أتردد كثيرًا في طلب المساعدة منها خوفًا من أفهم بشكل خاطئ".

أحداث كولونيا لم تأثر فقط على اللاجئين المغاربيين، وإنما طالت المهاجرين المغاربيين أيضًا، الذين يوجدون في وضعية قانونية صعبة بألمانيا، كالطلبة الذين جاءوا إلى ألمانيا بشكل قانوني، لكنهم استوفوا الفترة القانونية المخصصة لتعلم اللغة أو انتهت دراستهم ولم يجدوا عملًا وباتوا مهددين بالترحيل، بالرغم من اندماجهم الجيد في المجتمع.

جواد، اسم مستعار،27 عامًا، شاب من الجزائر،أتى إلى ألمانيا منذ 9 سنوات من أجل دراسة الهندسة الميكانيكية، لكن طريقه لم يكن سهلًا. يقول جواد في حديثه لـ DW عربية: "نحن الطلبة نعيش هنا في ألمانيا في صراع دائم مع الدراسة وضغط العمل والبعد عن العائلة وإلى جانب ذلك أيضًا تحصيل نتائج دراسية جيدة؛ لأنها مرتبطة بتمديد الإقامة".

الطريق إلى تحقيق هذا الهدف كان صعبًا للغاية بالنسبة لجواد "العام الأول لي في ألمانيا كان الأصعب على الإطلاق، في البداية فكرت في التخلي عن الدراسة والعودة إلى بلدي ولكن كنت أعلم أن عائلتي ستغضب مني".

ويضيف الشاب الجزائري: "إن العديد من الطلبة خاصة من الدول المغاربية لا يجرؤون على اتخاذ قرار العودة إلى بلدانهم قبل الحصول على الشهادة أو العمل إذ يعتبرون ذلك فشلًا وعارًا؛ بسبب النظرة الدونية من طرف الأسرة والمجتمع، لذلك قررت إكمال الدراسة بالرغم من الصعاب".

أنهى جواد دراسته الجامعية منذ سنة تقريبا، وهو الآن في مرحلة البحث عن عمل، وإن لم يجد سيجبر على مغادرة ألمانيا، لكن بحسب جواد فإن مغادرته ألمانيا بعد سنوات قضاها في هذا البلد لن تؤثر فيه ويقول: "لا أرى أن مستقبلي متوقف على البقاء في ألمانيا، هناك آفاق كثيرة لي في بلدان أخرى، كما أن عملية الاندماج هنا في ألمانيا أصبحت أكثر صعوبة خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة التي أكدت الأحكام المسبقة عن المهاجرين".

الترحيب باللاجئين.. حافز للشباب المغاربي
شكلت قصص وصور الواصلين إلى ألمانيا على مواقع التواصل الاجتماعي، حافزًا إضافيًا لأقرانهم ليحذوا حذوهم. يوسف فقير، شاب مغربي، وهو مهندس وناشط جمعوي ومؤسس لموقع التواصل الاجتماعي "وسلم" يقول لـ DW عربية: "قبل أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي السبب وراء هجرة آلاف الشباب، فإن الظـروف الاجتماعية المزرية والاحتقان الذي تعيشه بلدان المغرب العربي والظلم الاجتماعي وعدم تساوي الفرص كانت الدوافع الأقوى لمغادرة الشباب بلدانهم".

ويضيف يوسف، الذي يعيش في ألمانيا منذ 17 عامًا: "أنا متأكد إذا فُتح المجال فإن أكثر من ربع سكان دول شمال أفريقيا سيغادرون البلاد".


ويرى المهندس المغربي، أنه كان للإعلام الألماني دور أيضًا في هذه الهجرة ويقول: "الإعلام الألماني أسهم بـدوره من قريب أوبعيد في هذه الهجرة من خلال الصور التي تظهر الترحيب باللاجئين وتوفير كل شيء لهم".

الترحيل.. دون موافقة اللاجئ
وحول ظروف تطبيق إجراءات الترحيل تقول مسئولة بالمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لـ DW عربية: "يتخذ المكتب الاتحادي للهجرة وشئون اللاجئين القرار برفض طلب اللجوء، وبالتالي الترحيل، إذا كان طالب اللجـوء لا يمتلك حق اللجوء أو لم تمنح له حماية معينة أو حظر الإبعاد أو لا يحمـل تصريح إقامة في ألمانيا لأي سبب آخر"، وتضيف: "في هذه الحالة يعمل المكتب الاتحادي للهجرة وشئون اللاجئين على إصدار قرار بترحيــل طالب اللجوء، الذي رفض طلب لجوئه إلى بلده، حتى دون موافقته، ويتم بعد ذلك تنفيذ الترحيل إلى الوطن من خلال سلطات الهجرة وعناصر الشرطة الاتحادية، المدربين خصيصًا لمرافقة طالبي اللجوء المرفوضين خلال عملية إعادتهم إلى أوطانهم".

البقاء.. حق للجميع
في المقابل تعمل منظمات حقوقية للدفاع عن اللاجئين وتطالب بإيقاف ترحيلهم من بين هذه المنظمات منظمة برو آزول، وهي منظمة حقوقية ألمانية تدافع عن اللاجئين في ألمانيا وأوروبا.

وتنتقد السيدة مَراي بلتسَر، وهي ناشطة في منظمة برو آزول، قرار الحكومة الألمانية تصنيف الدول المغاربية الثلاثة "دولًا آمنة"، وتقول: "في جميع هذه البلدان الثلاث هناك انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، في المغرب، على سبيل المثال، هناك متابعة قانونية للمثليين الجنسيين، وهذا لا يتفق مع الحق الأساسي للجوء".

وتسهم منظمة برو آزول في توفير المساعدة القانونية لطالبي اللجوء من خلال صندوق المساعدات الماليـة والتبرعات، كما تعمل على تحسين فرص اندماج اللاجئين في المجتمع الألماني.

وفي هذا الصدد تقول السيدة بلتسر: "بالنسبة للذين جاءوا من الدول المغاربية فإن عدم شعورهم بالأمان -بسبب قوانين اللجوء الأخيرة- لا يعد مؤشرًا جيدًا على اندماجهم، لكن الذين كبروا هنا في ألمانيا مثلًا يعيشون أيضًا مع هاجس المغادرة، ولهذا من المهم أن ندرك معنى الاندماج الحقيقي وأن لكل شخص سواء كان لاجئًا أو من خلال الإقامة الطويلة الأمد في ألمانيـا الحق في البقاء".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل

اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية