أين الرجل الكبير؟ 1
الإعلامي الكبير أمين بسيوني الذي رحل عن دنيانا الأسبوع الماضي حكى لي أنه حينما كان رئيسًا لإذاعة "صوت العرب" عام 1987 اتصل به صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك، وقال له إن الرئيس مبارك يأمره بأن يكتب تعليقًا يهاجم فيه دولة الكويت، ثم يقرأه بنفسه وبصوته الجهوري الشديد في إذاعة صوت العرب، فسأله الأستاذ أمين عن السبب، فأجابه صفوت الشريف بأن هناك صحيفة كويتية هاجمت الرئيس مبارك بسبب سليمان خاطر ذلك الجندي المصري الذي قتل ستة من اليهود على الحدود المصرية الإسرائيلية، ووصفت الصحيفة خاطر بأنه أشجع من مبارك، فكانت نصيحة الأستاذ أمين تجاهل الموضوع تمامًا؛ لأن إثارته في إذاعة "صوت العرب" سوف يعلم به الملايين..
غضب الشريف من رفض بسيوني لتنفيذ تعليمات الرئيس، فقال له بسيوني هذا رأيي وأنا جاهز لتنفيذ التعليمات، فطلب منه الشريف عدم مغادرة مكتبه لحين عرض الأمر على الرئيس، وبعد عشر دقائق اتصل صفوت الشريف بالراحل أمين بسيوني، وقال له الرئيس مبارك "بيقولك برافو عليك يا أمين".
وهكذا الحاكم حينما يجد من العقلاء من ينصحه لوجه الله والوطن فإنه يستمع ويقتنع، وكانت نصيحة الراحل أمين بسيوني أن الجريدة الكويتية الصغيرة التي هاجمت رئيس مصر الكبيرة لم يقرأها سوى بضع مئات من الكويتيين ولكن إثارة الموضوع في إذاعة صوت العرب سوف يعلم به ملايين المستمعين في كل أرجاء الوطن العربي، وبالتالي مصر ورئيسها هي الخاسرة، لأن من هاجمني في حارة مظلمة لا أرد عليه في ميدان عام فيعلم الجميع..
حينما أتذكر هذه الواقعة أقول إننا في حاجة إلى عقلية الأستاذ الراحل أمين بسيوني في كل مجالات حياتنا هذه الأيام، ذلك الرجل الكبير العاقل الذي يستطيع بآرائه السديدة الحكيمة منع وقوع كوارث وأزمات كثيرة في المجتمع، تكاد تعصف به أو على الأقل تفتت عضضه، وتصب في مصلحة أعدائه في الداخل والخارج، وليس من المنطقي أن يكون مطلوبا من رئيس الجمهورية حل كل المشكلات حتى أبسطها، والتي وصلت إلى مطالب المواطنين الفقراء في العلاج أو بطاقة تموين، وأن يكون مطلوبا من الرئيس التدخل لإنهاء كل الأزمات ما بين فئات المجتمع المختلفة..
لابد أن يكون في كل قطاع رجل كبير وحكيم يوجه لمصلحة البلد، فبالامس فقط قرأت تصريحا غريب لوكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، يقول فيه للسودان الشقيق"أعلى ما في خيلكم اركبوه" هو تصريح غير مسئول لصحفي لا يفرق بين السبق الصحفي والأمن القومي سوف يتسبب في أزمة بين البلدين الشقيقين، أيضا في الأزمة الحالية بين وزارة الداخلية مع نقابة الصحفيين السؤال هنا ما هي المكاسب والخسائر التي عادت على مصر من هذه الأزمة؟
الإجابة هي أن الكل خسران، ولو أن كل مسئول قبل إصدار أي قرار أو تصريح فكر في مصلحة مصر، أو استشار أحد العقلاء أقول مؤكدا أحد العقلاء المخلصين، لكنا تجنبنا أزمات كثيرة، ولكن للأسف الشديد الاعتقاد السائد لدى الغالبية العظمى من الشعب أن الأمور تسير بدون تخطيط أو رؤية ولكن بشكل عشوائي تارة، وتارة أخرى بتفكير الهواة، أو برؤية المنافقين أصحاب نظرية كله تمام، الذين يزينون الباطل للمسئول ويشجعونه عليه ولا يناقشونه في رأيه حتى لو كان خطئا، مصر في حاجة إلى الرجل الكبير المايسترو في كل قطاع ، حتى يضبط الأمور ويمنع وقوع الكوارث قبل حدوثها.. فالوقاية ليست فقط أفضل من العلاج بل أرخص منه، اللهم احفظ مصر من أعداء الداخل والخارج والجهلاء ومستشاري السوء.
egypt1967@yahoo.com