صلاح وسعاد وكمال وحسن والصدفة والدنيا ربيع!
كانت إشارة المرور قد تحولت إلى اللون الأحمر في أحد شوارع حي الزمالك، ولم يكن الزحام الحالي موجودًا.. الصدفة وحدها هي التي جمعت في الشارع وفي الصف الأول لإشارة المرور، كلاً من نجمة مصر الأولى في صيف عام 74، أسطورة الشاشة العربية النجمة الكبيرة سعاد حسني، بينما كان الآخر هو واحد من أربعة يتقدمون النغم والتلحين والألحان في مصر والوطن العربي.. كمال الطويل!
لا أحد يعرف السر الذي دفع سعاد حسني أن تخبره من سيارتها سريعًا وقبل تغير لون الإشارة، أنها تريده للمشاركة معها في عمل فني كبير، وأن هناك أغنية فيه لن يلحنها غيره، وهل كان ذلك بالاتفاق مع فريق العمل أم لا؟ ولكن وببساطته وسرعة بديهيته المعروفة طلب منها الطويل أن ترسل له الكلمات فأبلغته أنها من تأليف صديقه صلاح جاهين، وأنها سترسلها له اليوم نفسه.
في المساء كانت الكلمات بين يديه وحدثها هاتفيًا بعد أن قرأها وطلب منها مهلة 48 ساعة ذهب فيها إلى الإسكندرية وعاد بالأغنية الخالدة التي تحولت إلى إشعار مبكر بتغيّر فصول السنة وقدوم الربيع.. لا يعرف أحد أيضًا كيف غامر صلاح جاهين واستخدم جملاً غنائية من عينة "قفل قفل"، ولا نعرف هل كتب جاهين ضحكة سعاد في أول الأغنية أم هي من عند كمال الطويل، ولا يعرف أحد كيف جاءته الصور البديعة من عينة "الشجر الناشف بقى ورور والطير بقى لعبي ومتهور"، أو "الورد مفتح شوفوا شوفوا بيرقص ويداري كسوفه"!
لكن ما نعرفه أن الأغنية "كسرت الدنيا" نجاحًا وتألقًا، وبما لا يتخيل أحد غير صناع الأغنية، كي يقوموا بها، وربما كان أصحابها لا يتخيلون كل هذا النجاح الذي لم يتكرر إلا مع عدد من الأغنيات تتصدرها أغنية العندليب "الناجح يرفع إيده" و"مبروك عليك يا معجباني يا غالي" لشريفة فاضل، و"يا دبلة الخطوبة" لشادية، و"الربيع" لفريد الأطرش والتي تفوقت عليها "الدنيا ربيع" وسبقتها في الأولوية عند الناس، حتى صارت عنوانًا للبهجة بشكل عام، وتألقت فيها سعاد مطربة على أروع ما يكون!
الأغنية كانت في فيلم "أميرة حبي أنا"، وكان استثمارًا لنجاح فيلم "خلي بالك من زوزو" والذي سبقه بعامين، وكلاهما سيناريو لصلاح جاهين، وكلاهما من إخراج حسن الإمام مخرج الروائع كما يسمونه في رواية، ومخرج "الفواجع" كما يسمونه في رواية أخرى، لاشتهاره بأفلام "المليودراما" وما فيها من بؤس ومفاجآت صادمة.
الأغنية أعادت التعاون لجاهين والطويل، الثنائي الذي قدم أروع الأغاني الوطنية لجمال عبد الناصر وثورة يوليو والستينيات كلها بكل ما فيها، وأخرجها الإمام كأروع ما يكون، وكما قلنا من قبل، فالسينما تصور بكاميرا واحدة ويتعامل معها المونتاج وبما يبرز حجم الجهد في إخراج الأغنية!
كل من قدم العمل البديع -والذي لعبت فيه الصدفة دورًا كبيرًا- في رحاب ربه، وتبقى البهجة ملكًا للناس، وهكذا الفن وهكذا الخالد الناجح منه.