قتلت الموت بموتك وأظهرت القيامة بقيامتك
منك نتأمل فنتعلم..
كيف يمارس السيد المسيح حكم الموت واللعنة عن البشرية كلها !! وهو يسمع الاتهامات.. شتمك اليهود وأهانوك فصمت.. سخروا منك وهزأوا بك فصمت.. اتهموك وشهدوا عليك شهادات زور فصمت.. فلماذا يا سيدى هذا الصمت؟ هل هو صمت العجز؟ نعرف تمامًا لا.. هل هو صمت الفشل واليأس؟ طبعًا لا..
لماذا هذا الصمت يا سيدى؟ لعله ذلك الصمت المثير المحرك للضمير! لقد تركت شهود الزور من اليهود يهزءون ويهرقون بك.. تركتهم يخطبون ويثرثرون.. فلماذا يا سيدى هذا الصمت العجيب؟
وعندما جاء وقت الكلام.. أجبت في هدوء واتزان على "قيافا" رئيس كهنة اليهود عندما أثاره صمتك فأستحلفك بالله الحى أن تجاوب عن سؤاله هو: أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ؟
عندئذ أجبته على الفور: "نعم أنا هو كقولك وأنى لأقول لكم كذلك إنكم منذ الآن سترون أين الإنسان جالسًا عن يمين القوة وأتيًا على سحاب السماء" وإذا سمع قيافا جوابك فرح في داخله لكنه تظاهر بالغضب المقدس ومزق ثيابه وقال لأعضاء المجمع: لقد جدف فما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ ها أنتم أولاء قد سمعتم الآن تجديفه فلماذا ترون ؟
فأجابوا وقالوا: "إنه يستحق الموت" وعندئذ راحوا يبصقون في وجهك ويلكمونك وراح آخرون يغطون وجهك ثم يلطمونك قائلين: "تنبأ لنا أيها المسيح من الذي لطمك الآن؟ راح الخدم يصفعونك.
صمت يا سيدى عندما اتهموك وجعلوا يكيلون لك شهادات زور ولكنك تكلمت عندما كان لابد أن تشهد للحق.. صمت عندما ضربوك ولكموك وصفعوك وهزأوا بك.. ولكنك تكلمت حين صار الكلام ضرورة وعملًا مقدسًا وبيانًا للحقيقة ودفاعًا عن الحق.
ولقد تكرر منك نفس الموقف إبان محاكمتك أمام السلطة المدنية أمام بيلاطس وأمام هيرودس.
فنتعلم منك يا سيدى.. متى نصمت ومتى نتكلم ؟ متى يكون الصمت فضيلة؟ متى يكون الصمت جريمة ؟ متى نزهد في الكلام ونصدق عنه ؟ متى يلزمنا أن نتكلم ولا نصمت ؟
فإذا صمتنا كان صمتنا شرًا.. فلقد يصمت الإنسان إذا أهين في شخصه.. إذا شتموه أو قذفوه بالسباب فلا يرد الشتيمة بمثلها بل يسلم أمره لمن يحكم بالعدل.. أما إذا اشتشهد للحق فهنا يتكلم ولا يصمت.. هنا يصرخ ويجأر بالحق.. ولا يتخاذل ولا يتوارى.. بل يرفع صوته عاليًا، جهورًا، قويًا لا يخاف، صلبًا لا يلين، شجاعًا لا يميل.. لأنه هنا لا يدافع عن نفسه.. وإنما يدافع عن الحق.. والله هو الحق.
والآن لقد قمت يا سيدى من الموت منتصرًا على أقوى عدو قمت بجبروت وجلال وكسرت شوكة الموت وأبدت سلطاته والآن يتضح أمام القارئ أن السيد المسيح أخذ عمليًا كل خطايا الإنسان: فهو مجدف على الله ومفسد للأمة وصانع شر ولكن أخطرها لا يجدف على الله التي عقوبتها الصلب كملعون.
لذلك بارتفاع المسيح على الصليب راضيًا وبإرادته أثبت بالفعل والحق ما قاله القديس بطرس إنه: "حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" ( 1 بط 24:2 ) وصلب بمقتضاها ومات! إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب: "ملعون كل من علق على خشبة" ( غل 13:3 ).
هنا الفداء يأخذ أقوى معناه.. بل أقوى فعله ؟ إذ مات المسيح حاملًا خطايا الإنسان واللعنة على الصليب ونزل إلى القبر ودفن وبقى في حالة الموت ثلاثة أيام ليحسب موته موتًا كاملًا، وذلك بجسده حاملًا البشرية بكل خطاياها ولعنتها وكل عارها لذلك يحتم أن يقوم من بين الأموات بجسد بشريته نفسه الذي مات به... المسيح قام، بالحقيقة قام.