رئيس التحرير
عصام كامل

يُغيّر أو يرحل


إذا لم يُغيِّر حكم الإخوان المسلمين فى مصر نفسه فسيغيره الشعب.

أكتب محذرا، فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر بلغت حد الخطر. سياسيا، النظام على خلاف مع نصف المصريين ويحاول فرض قناعاته عليهم. اقتصاديا، لم يبق اقتصاد، فقد زادت البطالة وسقط الجنيه واشتد الغلاء فى المواد الأساسية، أو قوت الشعب، وأغلقت المصانع. اجتماعيا، المرأة المصرية تقمع وتهمش، و«المفكرون» الذين طلعوا من «البالوعة» يريدونها فى المطبخ وغرفة النوم، وهى مذنبة إذا ضُرِبت أو اغتُصِبت.


كل شىء طلبه المصريون وتوقعوا تحقيقه بعد رحيل حسنى مبارك ضاع على الطريق، بل زاد سوءا.

لا أريد أن أزيد هموم المصريين، أو همّى الشخصى، فأتجاوز الاقتصاد لأن تردّيه لا يحتاج إلى شرح، وأختار ما أسمع فى الخارج وأرى وأتابع.

الإدارة الأمريكية تتعامل مع حكم الإخوان بشكل إيجابى ولا تبحث عن بديل فهى ترى كيف سلّم الاحتلال الأمريكى العراق إلى آية الله فى قم، والبدائل المطروحة للنظام السورى، وتقرر أن الإخوان أهون من المجهول. غير أن العلاقة مرتبطة أساسا ببقاء مصر ضمن عملية السلام مع إسرائيل، فالمساعدة السنوية المعروفة، وأى مساعدة إضافية، هى مساعدة لإسرائيل حتى لا تلغى مصر معاهدة السلام.

الإخوان فى المقابل قضوا أكثر من 80 سنة فى المعارضة يخرجون من السجن ويعودون إليه، وقد وصلوا إلى الحكم دون أن يقوموا بالثورة، وإنما بسبب أخطاء النظام السابق، وبقاؤهم فى الحكم يتقدم على كل موقف آخر لهم، سابق أو حالى أو لاحق. النتيجة أن الإخوان يقدمون الولاء للجماعة على الولاء لمصر، بل يقدمون الحكم على بعض منهم، فالإخوان المسلمون الفلسطينيون من حماس اعتقدوا أن وصول جماعتهم إلى الحكم فى القاهرة سيفتح الأبواب أمامهم.

إلا أن أبواب قطاع غزة نفسه مغلقة، وقد دمر الحكم الجديد فى القاهرة أنفاقا بين العريش والقطاع وأغرق بعضا آخر بالماء، وهناك توتر ظاهر فى العلاقة بين مصر وإخوان غزة. العلاقة الوحيدة «الطيبة» للرئيس مرسى هى مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فهو الآن لا يزور مدينة مصرية إلا ويستقبل بتظاهرات عدائية.

كنت أفضّل لو أن النظام الجديد سعى إلى تبديد شكوك دول الخليج ومخاوفها من الإخوان المسلمين، فالعلاقة مع الدول العربية يجب أن تتقدم على العلاقة مع أمريكا أو العدو المجاور. إلا أننى لم أر جهدا صادقا فى هذا الاتجاه، مما عزز المخاوف القديمة منهم، فإذا اجتمع مصريان ملتحيان فى الخليج يتهمان بأنهما يحاولان تشكيل خلية إخوانية سرية ويطردان، وإذا اجتمع شيعيان ملتحيان فهما من أعضاء حزب الله ويتآمران على النظام المحلى.

أسجل بأوضح عبارة ممكنة أن قلة من دول الخليج تظلم المواطنين العرب العاملين فيها، وبعضهم هناك من 20 سنة أو 30 سنة. إلا أننى أزيد أن تصرفات الإخوان المسلمين فى مصر، وحزب الله فى لبنان وبين سوريا وإيران، ألحقت أذى كبيرا بالمصريين واللبنانيين فى الخليج، وإنكارها مكابرة فى حجم أن الاقتصاد المصرى يتحسن، أو أن النظام السورى يحارب إرهابيين مستوردين وينكر وجود الغالبية من المعارضة الوطنية الشريفة.

أكتب عن الوضع كما هو، لا كما تتمناه الجماعة أو غيرها، والوضع سيئ إلى درجة أن الشرطة فى مصر تضرب، وهذا ما لم أسمعه من قبل، وأن الجيش يشكو ويهدد، وأن الكل يتظاهر.

كل شعب عربى عانى حكم العسكر طلب حكما مدنيا وديمقراطيا، واليوم وصل الوضع فى مصر أن المواطنين يطالبون بانقلاب عسكرى، وهذا أيضا ما لم أسمعه فى أى بلد عربى من قبل.

ليس كل من كتب منتقدا حكم الإخوان كافرا أو عميلا للصهيونية والاستعمار. أكتب لأننى رأيت مصر دائما القدوة، وهى لى السدرة والمنتهى، لا ينهض العرب ويتقدمون إلا معها وبها، ولا يسقطون إلا إذا سقطت.

هل يتغير الإخوان؟ أخشى أن يكون الجواب أن الجماعة تنتظر أن يتغير الشعب كله ليصبح على صورتها ومثالها، وهذا لن يحدث.

نقلا عن الحياة اللندنية.
الجريدة الرسمية