نعم.. الصحافة جريمة
نعم هي جريمة، جريمة أكبر من الإرهاب، وأخطر من ترويع المواطنيـن في الشـوارع، أفظع من السرقة، والاغتصاب، يحاول الساذجون أن يقللوا من شأنها، يدارون أدواتها لكنَّ المسئولين لم يغفلوها لحظة، كانوا دائما متربصين لها يدركون خطورتها !
ما الذي يقلق أي سلطة، ويفزع أي مسئول، ما الذي يجعلهم يجتمعون في نص الليل ليحاولوا تدارك خطأ ما، شيئًا واحد لا غير الحقيقة، لكن الحقيقة يلزمها شيء آخر، وسيلة تنقلها إلى الجميع ليدرك المواطنين وبالتالي كانت الوسيلة هي الصحافة.
لذلك لا أتفق مع زملائي الذين تظاهروا بشرف أمام نقابة الصحفيين ليؤكدوا أن الصحافة مش جريمة، وإن كان الأمر يمثل من وجهة نظرهم مش جريمة وهي أيضًا نفس وجهة نظر كل عاقل يحترم نفسه، لكني سأقف هنا على الجانب الآخر منهم لأقول إنها جريمة، أن يعرف المواطن المصري ماذا يحدث في أروقة السلطة.
نعم هي جريمة لأنها قلبت الدنيا رأسًا على عقب بسبب اتفاقية تعيين الحدود وأصبح أمل كل صحفي دءوب أن يعثر على وثيقة تثبت مصرية الجزيرتين وما هي إلا ساعات يكونوا فيها نبشوا وتبينوا وتأكدوا ونشروا أن تلك الجزيرتين مصريتان ولا كلام آخر.
نعم جريمة لأنها كتبت عن حملات القبض العشوائي التي شنتها الأجهزة الأمنية فجر 24 أبريل لمنع تظاهرات الأرض، نشرت الأسماء، والتحركات، تحدثت مع قانونيين لمعرفة ماذا يحدث، كتب بعض الكتاب يحذرون من مغبة ذلك، استخدمت الصحافة كل ألاعيبها كي تنشر الأخبـار دون أن يقع عليها مسئولية قانونية وتؤدي حق القارئ في نفس الوقت، على الجانب الآخر شاهد المسئولون ذلك، قرأوا الأخبار، ظهرت ملامح الغضب عليهم، عضوا على اصابعهم لم يجدوا ما يدينون به الصحافة.
نعم هي جريمة أن تكون نقابة الصحفيين هي منبر من يريد التظاهر للمطالبة بحقوق كفلها الدستور والقانون، لم تغلق أبوابها أمام أحد – هي هكذا وستظل هكذا – وفي الوقت الذي أغلق فيه ميــدان التحريـر رفعت نقابة الصحفيين شعار نعم تستطيعون أن تقولوا كلمتكم هنا دون أي عارض.
نعم هي جريمة أن يكون الصحفيين هم أول من كتبوا عن حادث الدرب الأحمر، وبعده الرحاب وأخيرًا الألف مسكن، نشروا الصور، وقارنوا بين ما تفعله وزارة الداخلية وبين تعليمات الرئيس، وفندوا القانون الجديد للشرطة مميزاته وإيجابياته، ووضعوا روشته إصلاح، وذهبوا إلى الأهالي ليقولوا ماذا يريدون، ولم يهدأوا في كل حادثة إلى إظهار أن ما يحدث ليس حالات فردية وأن المنهج لا بد من تغييره.
أفزعهم معرفة الشعب المصري بما يحدث وبحالة الجدل –الصحية- حاولوا أن يسوقوا نظريات الحالات الفردية والحرب على الإرهاب وطالب الرئيس ألا يتحدث أحد فلم يقتنع أحد، وجهوا نظرهم إلى الناحية الأخـرى كيف يعرف الشعب؟ الإجابة "من الصحافة"، إذا هم المجرمون، إشارة ضوء أخضر دفعت الأجهزة الأمنية إلى القبض على أكثر من 47 صحفيا بعض الزملاء أكدوا أن كلمة صحفي كانت تهمة، ضباط قالوا لصحفيين «خلوا جريدتكم تخف علينا».
الجريمـة هي توصيل المعلومة للناس، وإخبارهم بما يحـدث، وتلك للأسف جريمة مستمرة سيرتكبها الصحفيون عن طيب خاطر دون النظر إلى أي شيء آخر.