بالصور.. «أنغام وآيات» في متحف الفنون الإسلامية بماليزيا
يعرض الدكتور محمود رمضان - خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية- موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن متحف الفنون الإسلامية بماليزيا بقلم الدكتور أحمد الصاوي - أستاذ الآثار والفنون الإسلامية- في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.
يقول الدكتور الصاوي:
في العاصمة الماليزية كوالالمبور يوجد أحد أكبر متاحف العالم المتخصصة في الفنون الإسلامية،ويقع المتحف في مواجهة المسجد الوطني (نيجارا) على الطريق المؤدي لحديقة بردانة الشهيرة بالعاصمة.
وقد افتتح هذا المتحف في ديسمبر عام 1998م، وهو يحتل مساحة 30 ألف متر مربع وسط محيط من الحدائق المورقة المطلة على بحيرة كوالالمبور، وتعرض مقتنياته من التحف التطبيقية التي تتجاوز 7000 قطعة داخل 12 قاعة عرض،فضلا عن مكتبة استثنائية من كتب الفن الإسلامي.
وتنبع فلسفة العرض في المتحف من هدفه الرئيس في مجموعة من المعروضات تمثل العالم الإسلامي تمثيلا واقعيا، ولذلك فهي تضم أصغر قطع المجوهرات، إلى جانب أكبر نموذج معروف في العالم وهو للمسجد الحرام بمكة المكرمة، والذي يتوسط معرض نماذج العمارة الإسلامية، وهذا المعرض يضم نماذج مصغرة لبعض المباني المعروفة في تاريخ العمارة الإسلامية مثل تاج محل (الهند) وضريح إسماعيل الساماني وتيمورلنك (أوزبكستان).
ومن بين المعارض الخاصة بالمتحف معرض المأثورات العثمانية، سواء من صناعة تركيا أو سوريا،وجناح معرض القرآن الكريم الذي يضم أكثر من 200 مخطوطة إسلامية نادرة من بينها 30 نسخة من القرآن الكريم يعود تاريخها إلى عهد أسرة "منك".
ويفخر متحف الفنون الإسلامية بمقتنياته من أعمال الخطاطين المسلمين من مختلف أرجاء العالم، والتي توضح كافة أنواع الخط العربي الذي سجلت به اللغات العربية والفارسية والتركية والأردية.
وللمتحف معرض متنقل يعرف باسم "أنغام وآيات" يحوي نماذج من روائع الخطوط الفارسية من نسخ ونستعليق وشيكسته، وقد بدأ رحلاته في عام 2004م بسنغافورة وعاد لماليزيا في العام التالي قبل أن يصل إلى مصر في عام 2007م،حيث عنيت مكتبة الإسكندرية بنشر كتالوج مميز لمحتوياته.
ومن روائع هذا المعرض صفحة من مصحف يرجع تاريخ نسخها إلى عام 1818م،وهي بخط "محمد شفيع تبريزي"، وقد كتبها بخط النسخ الأسود داخل إطارات على هيئة سحب محددة بالسواد على خشب طبيعي مذهب، وسجل النص في ثلاثة أسطر أفقية تتداخل مع سطرين كتبا بشكل مائل، والصفحة محاطة بإطار أبيض مزخرف برسوم لأوراق نباتية مذهبة، ويعتبر محمد شفيع التبريزي بن ميرزا محمد على كشنوي من أبرز الخطاطين الذين عملوا بمدينة تبريز الإيرانية خلال القرن التاسع عشر.
ويعرض القسم الخاص بالقرآن الكريم في المتحف عددا من مخطوطات المصاحف،منها مصحف من الرق يغلب على الظن أنه من شمال أفريقيا في القرن الثاني للهجرة(8م)، فضلا عن أعداد من مصاحف الصين والملايو ولكن في الفترات الإسلامية المتأخرة.
وتعطي قاعات الفن الإسلامي في كل من الصين والهند والملايو لهذا المتحف شخصيته المتفردة،لا سيما وأن فلسفة العرض فيها تهدف لتوضيح أن الحضارة الإسلامية في الملايو قد اكتسبت ملامحها من انصهار التقاليد الصينية والهندية في بوتقة الملايو.
ففي قاعة الهند يتم التركيز على مقتنيات تنسب لدولة أباطرة المغول بالهند التي حكمت شبه القارة الهندية فيما بين عامي 1526م و1828م،وهي تضم منمنمات مغولية تعبر عن مهارة الرسامين في فن الصور الشخصية (البورتريه)،ومجموعة متفردة من أدوات المائدة التي تبرهن على رقي فن صناعة المعادن بالهند خلال العصر المغولي، فضلا عن فوارة نادرة من المرمر الأبيض تتوسط فترينات العرض.
أما القاعة الصينية فهي تعبر بمعروضاتها عن الطابع الصيني الخاص الذي أثر على الفنون الإسلامية في الأجزاء الغربية من الصين،بل والجنوبية التي أقام بها المسلمون.
وتوضح معروضات القاعة مدى الإسهامات التي رفد بها المسلمون الصينيون الأقاليم المجاورة لبلادهم منذ القرن التاسع الهجري (15م)،وخاصة المصاحف التي كتبت بطريقة لفائف الخط الصينية،حيث اعتبر الخط لدى الصينيين شكلا من أشكال التبجيل، وإن كانت منتجاتهم في هذا المضمار تختلف بشكل ظاهر عن بقية الأقاليم الإسلامية.
وتمنح ألوان المينا الناصعة لتلك المعروضات شخصية فريدة وهيئة مميزة،ومن المقتنيات المهمة في القاعة الصينية أوعية من البرونز كانت تنتج في الأصل كمذابح للعبادات التقليدية (البوذية)، وتم تكييفها لتلائم أذواق المسلمين، مما يشير بوضوح لمعنى تمازج الثقافات في ذلك الركن القصي من الشرق الأسيوي، وهناك أيضا قطع مختارة من روائع الخزف الصيني التي تبهر الزوار بألوانها البيضاء والزرقاء وبزخارفها النباتية البديعة.
وبقاعة الملايو عدد من المقتنيات التي تنتمي لمدن الأرخبيل،التي كانت على مدى القرون الخمسة الأخيرة بمثابة الحدود الشرقية للعالم الإسلامي، حيث كان يمر هناك جزء مهم من طريق الحرير،وتلتقي بذات الوقت القوى التجارية من الإمبراطوريات الآسيوية والدول الأوروبية.
وتفصح المعروضات من المنسوجات التي أنتجها المسلمون في الملايو عن تميزها باستخدام زخارف من رسوم النباتات المحورة عن الطبيعة والفواكه،إلى جانب رسوم السحاب الصيني (تشي).
كما تزخر القاعة بمنتجات خشبية رائعة وأيضا بمصنوعات معدنية ولا سيما من الخناجر التي اشتهرت الملايو بإكسابها طابعا فنيا مميزا من الجمال الزخرفي وزخرفة أغمادها الخشبية أيضا،ويجد الزائر بتلك القاعة أيضا عددا لا بأس به المصاحف التي أنتجت في مدن الساحل الشرقي من شبه جزيرة الملايو.
ومن أهم قاعات متحف الفنون الإسلامية قاعات المجوهرات التي تضم معروضات تمثل الأنماط المألوفة من المجوهرات الإسلامية التقليدية والحلي القبلية المحلية على امتداد العالم الإسلامي من "شينجيانج" بالصين في أقصى الشرق إلى صحراوات الشمال الأفريقي بالغرب الإسلامي، وإن احتلت مجوهرات الهند المغولية مركز الصدارة بين كل تلك المقتنيات الثمينة.
وتظهر معروضات القاعة الطابع الفني المميز للمجوهرات الإسلامية من قلائد وأقراط وحلقات للأنف، بعضها صنع من الذهب وأغلبها من الفضة المرصعة بالعقيق الأحمر والماس والزمرد والياقوت واللؤلؤ،وأنواع شتى من الأحجار شبه الكريمة المعروفة على نطاق واسع في القارة الآسيوية.
وفي قاعة خاصة تعرض بعضا من أشهر المنسوجات الإسلامية من النسيج والسجاد والمنتجة في كل من الهند المغولية وإيران في العصر الصفوي،وهي تكتسب بزخارفها النباتية قيمة فنية ومادية كبيرة، سواء كانت منتجة من الحرير الخاص بالأثرياء أو من القطن الذي حظيت منسوجاته بشعبية كبيرة.
وقد خصص قسم من المعروضات للنسيج الصوفي المنتج في إقليم كشمير، وخاصة من الشالات الكشميرية الشهيرة،التي قامت مصانع بيزلي في اسكتلندا بتقليدها في القرن الماضي،ويندر أن نجد في قاعة من قاعات متاحف الفن الإسلامي عددا من الملابس النسائية يضارع ما تعرضه تلك القاعة من ملابس المسلمات في آسيا.
ومن نعومة الحرير إلى خشونة الأسلحة والعتاد الحربي ينتقل زائر المتحف إلى قاعة الأسلحة التي تضم الأسلحة البيضاء والأسلحة النارية معا،وتعرض هناك السيوف والخناجر الفولاذية المرصعة بالذهب والأحجار الكريمة والمنقوشة بآيات من القرآن الكريم، وخاصة السيوف الدمشقية الشهيرة والبنادق المغولية والغدارات التركية العثمانية،وجميعها لا يخلو من الزخرفة والترصيع.
وبقاعة المعادن الإسلامية تختلط المعروضات من النقود الإسلامية الذهبية والفضية بالأختام المعدنية،وحتى بتلك المتخذة من أحجار كريمة مثل اليشب والعقيق الأحمر.
وبمتحف الفنون الإسلامية بماليزيا قاعة خاصة بمنتجات الخزف الإسلامي من أواني وبلاطات خزفية تحتوي روائع من هذا الفن الذي برزت فيه معظم الأقاليم الإسلامية، وقاعة أفردت للمنتجات الخشبية من أدوات وأثاث نحتت أو شكلت من أفضل الأخشاب المعروفة في القارة الآسيوية.