رئيس التحرير
عصام كامل

«معركة التعليم في سيناء».. منازل المحافظة تتحول لفصول دراسية.. والأهالي يربون المواشى للإنفاق على الطلاب.. الوحدات الصحية «مدارس بديلة».. ونقابة المعلمين توفر وسائل لنقل المدرسين

فيتو

يد تقاتل وأخرى تعلم، جنود يتصدون للإرهاب بالسلاح وأطفال يواجهونه برصاص التعليم، وبكلمات أدق تحولت مدن شمال سيناء إلى «ملحمة» بطلها أبناء المحافظة الذين تكاتفوا لتحويل منازلهم إلى فصول تعليمية، ووحداتهم الصحية إلى مدارس مع تحمل نفقات أيام الدراسة كاملة.


الآن تتحطم براءة أطفال سيناء على صخرة الإرهاب في ظل المواجهات المستمرة بين القوات المسلحة والجماعات التكفيرية على أرض الفيروز، ونتيجة تشديد القبضة الأمنية على مثلث «رفح – العريش – الشيخ زويد» بدأت تلك الجماعات في اللجوء إلى أقذر ألوان الإرهاب، وهو توجيه مدافعها وأسلحتها صوب أسوار المدارس، فهدمت، وشردت الأطفال.

فقط في شمال سيناء تحمى خنادق الفصول «البراءة» من طلقات إرهابيين متعطشين للدم، وهنا رصد أحد أولياء الأمور (طلب عدم كشف هويته) المدارس التي استهدفها الإرهابيون بشمال سيناء.
في قرية نجع شيبانة الحدودية بمدينة رفح لم يستسلم الأهالي لنيران الحرب والإرهاب، وقرروا الوقوف بجانب القوات المسلحة فصارت اليد يدين، واحدة تحارب والثانية تعتنى بالطلاب، خصوصًا بعد قصف مدارسهم من قبل العمليات الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون هناك.

أهالي القرية اضطروا بعد أن دُمرت مدارس أطفالهم بسبب الحرب على الإرهاب إلى فتح منازلهم لاستقبال الطلاب، وصارت الحصص الدراسية تعقد في منازل كبار العائلات هناك، وخصصوا لذلك عددًا من المواشى لتربيتها والإنفاق من بيع حليبها ولحومها على هذا المشروع، والذي أصبح عوضًا عن المدرسة، وتولى معلمون من أهل القرية مهام التدريس الأطفال.
وحدها ضحكات أطفال سيناء تكسر حاجز الصمت المفروض على المدن الثلاث، تلك البراءة والكفوف الناعمة تسير مسافات طويلة طلبًا للعلم، ويوميًا يقطع هؤلاء الأطفال كيلومترات طويلة سيرًا على الأقدام من أجل الوصول إلى هذه المنازل المخصصة جدرانها لتطوى بين حوائطها الطلاب.

وفى تحدٍ للظروف التي يعيشونها أنشأ أهالي القرية مشروعًا يتم من خلاله الإنفاق على مستلزمات الطلاب الدراسية، مثل الكراسات والملابس والوجبات، فضلا عن رواتب المعلمين.

أحد أولياء أمور تلاميذ التعليم الابتدائى بشمال سيناء أكد أطفالهم لديهم إصرار على التعليم، لافتًا إلى أن الأهالي من سنوات تبرعوا بجهودهم الذاتية وأنشأوا المدارس، وعندما وقعت الأحداث الأخيرة لم يصبهم اليأس، وكان لدى الجميع إصرار على تعليم أبنائهم والتغلب على جميع العقبات، لكن لا يتم إخراج الأطفال من المنازل قبل التأكد من أن الشوارع آمنة.
«هبة – تلميذة بالصف الخامس الابتدائي» قالت إنها رغم سيرها مسافة تتجاوز 5 كيلومترات عن مدرستها في قرية الجورة بجنوب الشيخ زويد إلا أنها سعيدة وحريصة على الذهاب يوميًا حتى ولو كانت تبعد مئات الكيلومترات حتى لا يفوتها أيا من الدروس والامتحانات قريبة.

«سامح – طالب بالصف الثانى الإعدادي» واصل الحديث عن أوضاعهم بمدارس الشيخ زويد، قائلا: «أدرس بمدرسة الجورة جنوب الشيخ زويد، وهى أقرب منطقة لي، وأسير 7 كيلو على قدمى من قريتى صباح كل يوم إليها»، مؤكدًا أنه يخشى أن يمنعه والده من الخروج إلى مدرسته إذا ما استمرت العمليات الإرهابية بالمدينة، مطالبًا كذلك بإنهاء معاناة انقطاع الكهرباء المستمرة منذ شهور، خصوصًا أن لمبات الجاز هي الحل الوحيد لهم لكنها متعبة جدًا لهم.

أما «مسلم سالم – ولى أمر إحدى طالبات المرحلة الإعدادية» فلفت إلى أنهم رغم الظروف الأمنية وإغلاق الطرق بشكل تام إلا أنهم حريصون على تعليم أبنائهم أيا كانت التحديدات والظروف. وهنا تحدث «راضى - أحد معلمى مدرسة قرية المقاطعة بمدينة الشيخ زويد» مطالبًا بتوفير سيارات مصفحة لنقل وحماية الطلاب أثناء تلقى دروسهم.

وفى الوحدة الصحية شبه المدمرة بقرية المقاطعة جنوب الشيخ زويد، أقام الأهالي فصول للطلاب بعد أن دمرت مدارسهم بسبب الظروف الأمنية التي تشهدها المنطقة، ويتصدى للعملية التعليمية مجموعة من المعلمين دون مقابل مادي، بحسب «سالم»، والذي أكد أنه لولا حرص الطلاب على التعليم لما جاء المعلون إلى الوحدة الصحية، قائلا: «نرى في أعين الطلاب لهفة طلب العلم، حيث إنهم يسيرون على أقدامهم مسافة 5 كيلومترات يوميًا».

وعند الخامسة صباحًا كل يوم يستيقظ «أحمد – معلم بمدرسة الكوثر بمدينة الشيخ زويد» للالتحاق بأحد أتوبيسات مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء، والتي تتجمع بميدان النصر بوسط مدينة العريش ليبدأ في التحرك عند السادسة صباحًا، وخلال 30 كيلومترا يقضيها في ساعتين يكون وصل لمدرسته، حيث تتزايد التفيتشات الأمنية وانتشار الكمائن على طول الطريق الدولي.
وواصل المعلم «أحمد» حديثه، قائلا: «في بعض الأحيان تغلق قوات الأمن الطريق تمامًا، ولا يستطيع أحد الذهاب إلى مدرسته، وبدورهم لا يتمكن الطلاب من الحصول على دروسهم ولا يجدوا من يدرس لهم».

بدوره، ذكر «محمود السيد عبد النبى - نقيب معلمى الشيخ زويد» أن عدد المدارس بمدينة الشيخ زويد يبلغ 75 مدرسة موزعة على جميع مناطق المدينة، موزع عليها 8 آلاف و822 طالبًا وطالبة من بينهم ألفين و722 للمرحلة الإعدادية و600 للثانوية، و5 آلاف و500 تلميذ للابتدائية، وعدد المدارس التي تعمل 3 مدارس ثانوية، و17 إعدادية، 22 ابتدائية، و3 مدارس تعليم فني».
«عبدالنبي» أكد أن هناك 15 مدرسة ما بين مدارس لمختلف المراحل الدراسية تضررت في مناطق الظهير، والجورة، والكيلو 17، وشبانة واللفيتات، والزواعة، والمقاطعة جنوب الشيخ زويد ورفح جراء الأحداث الجارية بين قوات الأمن والجماعات المسلحة، وأصبحت خارج الخدمة تمامًا، وتم نقل الطلاب الباقين إلى مدارس أقرب لقراهم.

وفيما يتعلق بمدينة رفح، أوضح «عبدالنبي» أن هناك 9 آلاف و700 طالب يدرسون في 46 مدرسة بالمراحل المختلفة ويوجد 1400 معلم تقريبًا يخدمون بـ46 مدرسة في المراحل المختلفة، مشيدًا بما يبذله المعلمون والأهالي من حرص على تعليم أبنائهم رغم خطورة الأوضاع، وفتحوا منازلهم كفصول مفتوحة لتعليم أبنائهم، بل وفروا سيارات خاصة لنقل المعلمين على نفقتهم الخاصة إلى المدارس المختلفة، بعد أن توقفت المواصلات.
عبد النبى شدد على ما تقوم به نقابة المعلمين من دور بطولى في مواجهة تلك التحديدات بتوفير كل الخدمـات للمعلمين من معاشات.
الجريدة الرسمية