وثائق عبثية
كشفت ابنة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، هدى عبدالناصر، عن وثيقة مصنفة تحت بند "سري جدا" تعود إلى 20 مايو1967، قبل إغلاق خليج العقبة بيومين تحديدا، صادرة عن إدارة شئون فلسطين بوزارة الخارجية المصرية للرئيس جمال عبدالناصر بشأن الملاحة في خليج العقبة، تؤكد أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان !
من هنا تأكد للكثيرين أن قضية جزيرتي تيران وصنافير ستعمق الفجوة بين المصريين الذين باتوا منقسمين إلى معارض لكل ما تقوم به السلطة، ومؤيد لكل ما تتخذه الحكومة من إجراءات.
وأصبحت فكرة التخوين هي أكثر واقع يعايشه المصريون، فلم تعد أي شخصية عامة تمتلك المصداقية والثقة لما تصدره من بيانات أو بما تقدمه من حقائق، أو قد يكون بما تملكه من ماض مشرف يجعل منها شخصية قومية أو بطولية إذا جاز التعبير.
ما قامت بالكشف عنه السيدة هدى عبدالناصر اعتبره الكثيرون من المصريين إساءة فجة من ابنة زعيم مصري للآن توضع صوره في بهو منازل العرب، عرفانا منهم بقيادته المتفردة والقوية للمنطقة العربية أمام العدو الإسرائيلي، فقد أساءت لتاريخ رجل خلد التاريخ اسمه بصموده أمام قوى عظمى متحالفة مع عدو غادر ضده، بل قد تكون بما قدمت تسئ للمصريين كافة بما يتمثل في جعل والدها يقتل ضباطنا وجنودنا لأرض ليست مصرية مستغلا المصريين في بذل الدم لما لا يعلمون أن ملكيته ليس لمصر، بل معطاة من المملكة العربية السعودية فقط لضيق ذات اليد من المال والجيش السعودي الذي لم يكونوا متوفرين في ذلك الوقت.
لسنا بصدد تأييد أو الهجوم على السيدة هدى فيكفيها ما طالها من إساءة لوالدها الزعيم الخالد، ما يعنينا هنا اكتشافها بالصدفة المحضة الوثيقة السرية "كما وصفتها" التي في حوزتها ولا تعلم عنها شيئا السلطة المصرية أو خارجيتها، مما يجعلها لا ترى النور منذ تاريخ صدورها !
هناك جهة حفظ وهي دار الوثائق بالقاهرة التي أنشئت عام 1828، حيث أنشأ محمد على أول مكان لحفظ السجلات الرسمية للدولة بالقلعة، وقد أطلق عليها" الدفترخانة"، التي كان الهدف من إنشائها جمع نتاج أنشطة أجهزة الدولة وحفظها، والتي أصبحت بمرور الوقت تراثا قوميا، وبعد عقود عدة ومع قيام ثورة يوليو 1952 لم يعد قسم المحفوظات التاريخية في قصر عابدين يحقق رغبة رجال الثورة في تقديم مادة تاريخية تصلح لكتابة تاريخ مصر القومي، فأنشئت دار الوثائق التاريخية القومية بموجب قانون 356 لسنة 1954، وبعد أكثر من قرن من الزمان أصدر رئيس الجمهورية محمد أنور السادات القرار رقم 472 لسنة 1979 بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية، وأسلوب استعمالها ونشرها، والذي نص على أن تحتفظ الجهات الحكومية بوثائقها التي تنتجها لفترة خمسة عشر عاما، ثم تنقل بعدها إلى دار الوثائق التاريخية لتظل محتفظة بسريتها لمدة خمسة عشر عاما أخرى، ثم يفرج عنها بعد ذلك للاطلاع عليها. وفي عام 1992 أصدر الرئيس محمد حسني مبارك قرارا جمهوريا رقم 176، بشأن إنشاء هيئة مستقلة تضم الوثائق القومية وفصلها عن الهيئة العامة للكتاب.
ونتساءل كيف لوثيقة بأهمية وثيقة هدى عبد الناصر لم تحفظ طوال هذه المدة التي تقارب خمسين عاما، ومازالت موجودة تلك الوثيقة تحت تصرف أفراد ليسوا في السلطة مثل ابنة رئيس راحل !
وكيف لم تحفظ نظرا لخطورتها لتعلقها بالأمن القومي المصري، وترسيم الحدود البحرية للدولة، وكيف لم يطالب الجانب السعودي بما يملكه من جزيرتين طوال تلك المدة ، بما يملك من وثائق وخرائط تثبت أحقيته في أرض سلم إدارتها للقيادة المصرية في حربها الشرسة مع العدو الإسرائيلي !
وكيف لها أن تسئ لوالدها "ناصر" الذي له فيديوهات عدة موثقة لبياناته ولقاءاته التي صرح من خلالها أن مضيق تيران تحت نفوذ السلطة المصرية ،لأن جزيرة تيران موجودة في المياه الإقليمية المصرية، وبالتالي لا يخاف التهديد الإسرائيلي بالحرب مع مصر، حين لا تسمح السلطة المصرية للسفن الإسرائيلية بالعبور في مضيق تيران المصري، لأنه يدافع عن أرض مصرية وحقوق السيادة المصرية على مضيق تيران !
في حين أن الرئيس عبدالناصر يخفي وثيقة تفيد عدم أحقية مصر للجزيرتين، والتي ستثبته الوثيقة "كما ادعت" إذا خرجت للنور، مما يفقد مصر السيادة على مضيق تيران أيضا!
لا ننكر تصارع المعارضين للتخلي عن جزيرتي تيران وصنافير وبين مؤيدين للحكومة المصرية في إرجاع الجزيرتين لمالكهم الأصلي "المملكة العربية السعودية"، وأن كل فريق منهم يتبارى لنشر وعرض وثائق وخرائط تاريخية تثبت وجهة نظره ، ولكن كلا الطرفين يقوم بعرض صور وثائق وخرائط يعلمها كل من السعودية ومصر وموجودة في دار الوثائق التاريخية أو في وزارة الخارجية لكل من الدولتين.
بهذا المنطق العبثي يكون من الطبيعي أن يصدر بعض قادة حرب أكتوبر تصريحات تفيد بأحقية وملكية مصر لجزيرتي تيران وصنافير، وتراجعهم عما أعلنوا عنه بعد عدة أيام، ليلحقوا بالسيدة هدى عبدالناصر التي أعلنت أحقية مصر في الجزيرتين ثم عادت تنفي ما قالت بخبر عثورها التاريخي على وثيقة تاريخية بالصدفة المحضة في أوراق والدها الزعيم !
ومن المضحك المبكي ما طلبه الرئيس السوداني عمر البشير من السيدة هدى بأن تبحث مرة أخرى في ملابس والدها علها تجد وثيقة تثبت ملكية السودان لحلايب وشلاتين المطالبة بها السودان منذ سنوات !
الصدفة المحضة قد ترجع جزيرتين لمالكهم الحقيقي، وقد تطمس تاريخ زعيم خالد، وقد تهين شعبا في وطنيته، فيصبح التخلي سبة في جبين المصريين، ويصبح إرجاع الحق لأصحابه مشكوكا فيه ومزورا، فقط حين تكون الوثائق المثبتة للحق مهملة في أحد منازل القادة لا تعلم عنها القيادة المصرية المتعاقبة شيئا لما يقارب من خمسين عاما.