رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. المتحف السعودي المتنقل يطوف أرجاء العالم

فيتو

يعرض الدكتور محمود رمضان، خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية، موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن معرض روائع آثار المملكة.. المتحف المتنقل.. مقتنيات إسلامية تطوف العالم للتعريف بالحضارة العظيمة"، بقلم الدكتور أحمد الصاوي، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه.


يقول الدكتور الصاوي:

تنظم هيئة الآثار في المملكة العربية السعودية منذ خمس سنوات معرضًا متنقلا لروائع الآثار التي تقتنيها متاحفها، وقد حط المتحف المتنقل رحاله لأول مرة في العاصمة الفرنسية باريس عام 2010 م، حين استضاف متحف اللوفر المعرض الذي يضم 320 قطعة أثرية منتقاة من معروضات المتحف الوطني ومتحف جامعة الملك سعود، فضلا عن مكتشفات من مواقع أثرية شتى.

وتعد الفنون الإسلامية جزءًا رئيسيًا من معروضات هذا المعرض، فضلا عن أنها كانت وراء فكرة هذا المعرض، ذلك بعد أن شاهد الرئيس الفرنسي الأسبق "جاك شيراك" بالرياض معرض "روائع الفنون الإسلامية بالمملكة"، فاقترح على خادم الحرمين الشريفين أن ينتقل المعرض للعواصم الأوروبية للتعريف بحضارة الإسلام، وسرعان ما تم تطوير الاقتراح ليشمل مقتنيات أثرية تمثل مختلف المراحل الحضارية التي عرفتها الجزيرة العربية عبر العصور.

وبعد محطته في عاصمة النور، انطلق المعرض ليزور برشلونة، ثم بطسبرج في روسيا، وبرلين العاصمة الألمانية، قبل أن يحط رحاله في نهاية عام 2012 م بالولايات المتحدة الأمريكية، متنقلا بين عدة مدن أمريكية بدأت بالعاصمة واشنطن.

ويستقطب المعرض الذي يعد بحق متحفا متنقلا اهتمام الزوار، نظرا للتنوع الكبير في معروضاته التي تشمل أبسط الأدوات الحجرية، وصولا لأثمن قطع الحلي النسائية من الذهب الخالص.

ومن أهم ما يحتويه المعرض من آثار الفترة السابقة على الإسلام عدد من الآثار المكتشفة في حفائر الفاو، حاضرة مملكة كندة العربية، وهي تشمل بعض التماثيل الحجرية وقطع من الحلي الذهبية التي تخص أميرة عربية، ومقابض ذهب كانت لسرير خشبي عثر عليه في مدفن أحد ملوك كندة، إلى جانب العديد من النقوش بالخط المسند والمنفذة على ألواح من البرونز والحجر، وبعض قطع الخزف والزجاج ورسوم الفرسكو الرائعة الألوان.

أما التحف الإسلامية في هذا المعرض فتشمل بعضًا من روائع الأعمال الفنية ذات الصلة بالحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ويتصدر المعرض عادة باب الكعبة المشرفة الذي صنع بأمر من السلطان العثماني مراد الرابع في عام 1054هـ،وهو من الخشب المصفح بكسوة من الفضة المذهبة، ويعد تحفة نادرة الوجود لما يشمله من روائع الزخارف الإسلامية من كتابات نسخية وعناصر نباتية وهندسية تحيط بها، وقد نفذت كلها بأسلوب الطرق أو التصفيح، وقد ظل هذا الباب قائمًا بالكعبة المشرفة إلى أن أمر الملك عبد العزيز آل سعود- رحمه الله- بصناعة باب آخر للكعبة في عام 1363 هـ كان من الألومنيوم المغطى بصفائح من الفضة المذهبة، ثم استبدل بأمر من الملك خالد -طيب الله ثراه- في عام 1393هـ بباب من الذهب الخالص.

ويشمل المعرض أيضًا بعض أجزاء من الكسوة الخاصة بالكعبة المشرفة،ولاسيما تلك التي نسجت بها الكتابات النسخية بخيوط من الذهب، ومنها قطع من الكسوة التي تصنع الآن بمصنع الكسوة الشريفة بمكة، وقد عني المعرض بأن يشاهد الزوار جزءًا من أول كسوة تصنع بمكة في عهد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود.

ومن التحف ذات الصلة بالأماكن المقدسة حامل شمعدان من النحاس، كان قد عثر عليه بالقرب من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، وهو قريب الشبه من ناحية التصميم بالشماعد السلجوقية والمملوكية، ويبدو من زخارفه أنه كان مزودًا بقطع من الفضة وبعض الأحجار الكريمة التي اقتلعت منه قبل أن يلقى به خارج المسجد النبوي حيث عثر عليه، وربما تعود صناعته لفترة لاحقة للقرن الحادي عشر الهجري (17م) طبقًا للأسلوب الصناعي المتبع في تثبيت الزخارف المضافة.

وبمعرض روائع آثار السعودية عدد من المصاحف التاريخية التي توضح عناية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بنسخ الكتاب الكريم من جهة الخطوط والتذهيب وكذا من ناحية التجليد.

ومما له صلة بالحج وزيارة الأماكن المقدسة نجد بالمتحف أحجار علامات الأميال الخاصة بطريق الحج الكوفي المعروف بدرب زبيدة، وهي توضح المسافات التي تقطعها قوافل الحجاج بدءًا من الكوفة وصولا للمدينة المنورة ثم مكة المكرمة.

ومن المعروف أن السيدة زبيدة -زوج هارون الرشيد- أولت في مرات حجها وزيارتها للأماكن المقدسة عناية خاصة بهذا الطريق حتى عرف باسمها، حيث زود بالمحطات والاستراحات أو المنازل وببرك المياه لتوفير مياه الشرب للمسافرين عبر الطريق، وقد عنيت هيئة الآثار بعمل حفائر أثرية على طول هذا الطريق كشفت عن البرك والآبار وبقايا المنازل ومراكز الحراسة، فضلا عن أحجار الأميال التي يعرض بعضها في هذا المعرض، وعدد من أواني حفظ المياه الفخارية التي كان الحجاج يحملونها معهم، وهي ذات شكل لا يكاد يتغير، فهي ذات أبدان دائرية وفوهات ضيقة، ونظرًا لأن الحجاج كانوا يحرصون على حمل ماء زمزم بداخلها في رحلة العودة فهي تعرف لليوم في أغلب البلاد العربية باسم الزمزميات.

وتعود أهم القطع الفنية في معرض روائع آثار السعودية لحفائر مدينة الربذة، وهي من أهم المدن الواقعة على درب زبيدة، وكانت جامعة الملك سعود هي التي قامت بالتنقيب فيها، ومن ثم فإن عددًا لا بأس به من المعروضات تعود ملكيته لمتحف جامعة الملك سعود.

وتضم هذه المكتشفات قطع رائعة من الفخار والخزف الإسلامي المبكر، منها أوان فخارية، وتماثيل صغيرة لجمال منها واحد من فخار يمثل جملا يحمل 4 جرارات فخارية، وآخر من الخزف المطلي بلون أخضر زيتوني لجمل يحمل هودجًا هرمي الشكل.

وهناك أيضًا بعض أطباق من الخزف الشائع إنتاجه في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، مثل الخزف المطلي بلون واحد غالبًا يكون من درجات اللون الأزرق، وهناك الخزف ذو البريق المعدني الذي تدل زخارفه النباتية والهندسية والكتابة أنه من صناعة العراق في القرن الثالث الهجري.

ومن التحف الزجاجية الإسلامية يشاهد زوار المعرض قنينات وكؤوس زجاجية مختلفة الأشكال والألوان والزخارف، ومنها قطع مميزة بزخارفها الملونة التي تحاكي عروق الرخام.

ومن تحف الربذة الإسلامية أيضا مجامر ومسارج من البرونز والحجر وبعض قطع معدنية لأوزان وحليات صناديق، وكذلك قطع من الجص المزخرف برسوم نباتية تشبه تلك التي كانت سائدة في عمائر سامراء الحاضرة العباسية، وهو ما يبرهن على أن مدن الجزيرة العربية لم تنقطع عن تيار الفن الإسلامي منذ بواكيره الأولى.

ومن المفاخر الفنية لمعرض روائع آثار المملكة النقوش الكتابية التي نحتت بكل دقة في الحجر، وأغلبها نصوص جنائزية ممثلة في عدد من شواهد القبور، ولاسيما تلك التي عثر عليها في مكة المكرمة، وخاصة بمقبرة المعلاة الشهيرة.

ومن أهم شواهد القبور المعروضة شاهد قبر أسماء بنت أحمد التي ينتهي نسبها لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وشاهد قبر لأحد الحجاج الذي وافته المنية وهو يؤدي فريضة الحج في عام 613 هـ، وهو في ملابس الإحرام، وقد عني النقاش بخط هذا الشاهد الذي اتخذ نصه هيئة دائرية فريدة، وقد سجل به بالخط النسخي أنه قبر الشيخ الصالح "أبو بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري، توفي بعرفة بالموقف يوم الثامن من ذي الحجة من سنة ثلاثة عشر وستمائة وهو محرم، رحمه الله رحمة واسعة".
الجريدة الرسمية