رئيس التحرير
عصام كامل

شباب مصر من الثورة إلى بناء الوطن(1)


عندما أسس إبراهام ماسلو نظريته عن الاحتياجات الإنسانية فقد سماها هرم الاحتياجات، وكان أولها في قاعدة الهرم الاحتياجات الفسيولوجية كالطعام والتنفس والجنس ثم الاحتياج للأمان ثم الاحتياجات الاجتماعية إلى الاحتياج إلى التقدير وقمة الهرم تقدير الذات، ومن هنا يجب أن نعي أن احتياجــات الشباب الفسيولوجيــة هي المطلب الأهم ورغبــة الشباب في التغيير بهدف الوصول إلى هذه الاحتياجات الأولية وما التغييــر السياسي إلا احتيــاج مؤجــل وليس الأهم، ولكن يعتقد الشبــاب أنه الحــل من خلال صورة ذهنية مشوشة تم تصديرها لهم.


وعندما ننظر إلى شعب مصر نرى أن نسبة الشباب تتخطى٦٠٪، ‏بالإضافة إلى طبيعة المرحلة السنية من طاقة، هذا إلى مرحلة فريدة من تغير الأنظمة السياسية في مصر، بالطبع قد رسمت صورة في ذهن شبابنا أن سقوط الأنظمة طبيعي، رغم أنه حراك تاريخي فريد لا يحدث إلا نادرا، ولكن الشاب الذي قضى فترة نضوجــه خلال هذه المرحلة أصبح لا يدرك أن استقرار الدولة هو القاعدة، إن الحراك السياسي التي مرت بها مصر خلال الخمسة أعوام الماضية جعلت من الشباب البطل وما زال يمثل كتلة حرجة في المجتمع يلزم احتواؤها لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.

لن نتطرق كثيرًا في تقييم طاقة الشباب مدحها أو ذمها لأنها من المسلمات، ولكننا يجب أن نستوعب ما يشعر به الشباب اليوم تجاه المجتمع، والمجتمع تجاه الشباب بعد أحداث اجتماعية وسياسية مهمة لذا ففى البداية يجب أن نعى أن الشباب طاقة حرجة تهدف دائمًا للتغيير وتميل إلى الابتكار والمبتكرين، الذي هو لبنة التطور الحضاري الإنسانى وهذا التطور هو الطريق الأوحد لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية؛ لأن استنزاف الموارد المستمر لن يحل مشكلة الاقتصاد وإنما الإبداع والابتكار.

وقبل أن نتحدث عن طاقة الشباب يجب أن تتشكل منظومة مجتمعية تحقق الاحتياجات الأهم من هرم الاحتياجات من خلال منظومة حتى لا يستهلك الشاب طاقته في توفير هذه الاحتياجات ويفقد المجتمع إبداعه وطاقاته.

نعم هناك تحديات تواجه المجتمع عمليًا في تطويع طاقة الشباب نحو البناء الحضاري لتحقيق التنمية الاقتصادية وجزء منها ينبع من الشباب ذاته والآخر من الأجيال السابقة، والتي عادة تختلف مع الجيل الأحدث وهذه التحديات نلخصها فيما يلى:

أولا: يجب أن يعى المجتمع أن رغبة الشباب في التغيير هي طاقة إيجابية وليس سلبية وأن الصدام بين الأجيال المتعاقبة (بين الآباء والأبناء) طبيعى وليس بدعة ويجب تدراكه ويجب ألا يلغى الآباء مسئوليتهم بعيدًا عن هذا الجيل بثقافته المختلفة لأن هناك قاعدة مسلمًا بها هي (تسلسل الأجيال) والتي تؤكد أن كل جيل هو إنتاج للجيل السابق له بإيجابياته وسلبياته وليس وليد المرحلة، لذا فيجب أن يكون هناك انفتاح وحوار للوصول إلى نقاط تفاهم مشتركة والإيمان بقدرة الشباب على الابتكار في ظل أخلاقيات المجتمع الشرقى.

كما يجب أن يدرك الآباء أن الهدف هو إنتاج جيل يحقق البناء الحقيقى للوطن لذا يلزم عدم التركيز في الخلاف على المظهر وخلافات في بعض الفكر إنما الأهم بناء الفرد وتطويع الطاقة الإيجابية لصالح المجتمع والوطن ومع الوقت سيتعدل المظهر بناء على بناء الجوهر طالما استشعر الشاب بدوره الفعال في اتجاه البناء الحضارى للمجتمع.

أيضًا يجب أن نعى أن الصدق هو المدخل للاستحواذ على جيل الشباب وبناء الثقة المتبادلة هو إحدى أهم ركائز الحوار الهادف وببساطة الشباب ينظر إلى تقديس هذه الثوابت البالية إنها أشبه بالأحجار الوثنية التي يلزم هدمها وتبنى قيما إنسانية مثل السلام.

فعلى سبيل المثال يصطدم الشاب بثوابت بالية عند الزواج مثل المهر والشقة رغم أنه يمكن حل هذه المعضلات بطرق مبتكرة تقلل العبء عن كاهل الشاب بأطروحات مجتمعية.

ثانيا: الثورة التكنولوجية والعولمة الثقافية هي أحد محددات العصر لا يمكن رفضها وتفرض نفسها بقوة وهى المحرك لثقافة الشباب في هذا العصر لذا فإن الفجوة لها أسباب وإحداثيات لا يمكن تجاهلها ولا يمكن مواجهتها بالانغلاق ورفض الحوار مع الآخر؛ لأن الرفض له رد فعلى عكسى وتوجيه الطاقة الإيجابية نحو الاتجاه المضاد لبناء المجتمع.

أما العولمة والتحرر وفرض أخلاقيات وسلوكيات دخيلة على المجتمع المصرى هي ما يراه الآباء خطرًا ولكن يجب التعامل مع ذلك بذكاء للوصول إلى بر الأمان حتى لا تنتج حالة العند والصدام خاصة في ظل تعامل الجيل الأبناء بنوع من الندية مع جيل الآباء هذه الثورة التكنولوجية والعولمة يمكن تحويلها للمسار الإيجابى واستثمارها بشكل ذكى ويضمن عدم الصدام مع أخلاقيات وثقافة المجتمع الشرقى وإنما تمازجها بما يحقق النتاج الحضارى المستهدف ويمكن استعمال نظرية التطعيم باستخدام ميكروب ضعيف فتزيد مناعة الجسم.

إن إحداثيات القوى الناعمة للعولمة بإجابياتها وسلبياتها أصبحت واقعا قائما يجب مواجهتها بقوى ناعمة في الاتجاه الصحيح ولا يمكن رفضها أو تجاهلها وهى أحد أهم الأسلحة التي تستخدمها دول متقدمة في فرض سطوتها على دول وثقافات أخرى.

ثالثا: ضعف المثل العليا التي طرحت كقيادات ساقها الإعلام الذي له دور مهم في بناء الرأي العام عن الشباب وللشباب أيضًا، وبالطبع فإن النماذج التي طرحت قيادات إصلاحية (مثل عليا) لتقود موجة إبداعية فكرية وعلمية وإنما شابها بعض السوء من جانب الإعلام عن قصد أو دون مما سبب فقدان الثقة في الشباب عمومًا وفقدان الشباب الثقة في المجتمع وقدرتهم على التغيير الإيجابى رغم أم مصر زاخرة بأمثلة واعدة تستطيع تحقيق ثورة ثقافية علمية للبناء وليس مجرد ثورات للهدم والانتقام، وفى الحالتين يجب أن نعى أن الشباب هم القادرون على المناداة بالتغيير في كل من الاتجاهين ولا يوجد فئة أخرى قادرة على تصدر هذا المشهد سواهم لذا فيجب طرح نماذج الشباب المتفوق علميًا وفكريًا ودعمهم لأنهم مستقبل الوطن من خلال توجيه طاقة الإبداع والابتكار وهذا من نحن بصدد تنفيذه.

رابعا: بما أن الحلم هو قاطرة الشباب فإن الحلم يتجه يؤدى لطريقين لا ثالث لهما إما الأمل أو اليأس وبكل قوة في كل من الحالتين وكما ذكرنا سابقًا فإن الشباب تنقصه خبرة تحقيق الحلم وهنا يأتى دور الجيل الأكبر ويجب أن يكون الوعى العام للشباب إنهم بصدد ظروف طارئة فريدة من الغزو الثقافى (القوة الناعمة) لذا يلزم مواجهة تحدياته كل على حدة وتحديد النموذج المناسب له من أجل إبداع تجربة النجاح الشخصى التي تناسبه وليس الاعتماد على المجتمع في تحديد الطريق أو تحدى المجتمع وثقافته بلا أي عائد ويجب أن يعى الشباب أن هذا العناد والتحدى أو التطرف (دينيًا أو الانحلال أخلاقيًا) هي أفكار موجهة ضده لهدمه وهدم الوطن.

وقبل كل شىء يجب أن يدرك الشاب أنه كما أن الأمل أمامه قريبا فاليأس أقرب وهذا هو الخطر الحقيقى الذي يواجهه على المستوى الشخصى ومن جانب آخر يجب أن يدرك المجتمع التحدى النفسى الأكبر الذي يواجهه الشاب.

إن صناعة جيل من الشباب ومواجهة التحديات من أجل دمج هذه الطاقة المساهمة الفعالة في النتاج الحضارى العالمى يجب أن يكون هدفا قوميا، وبالتأكيد لن يكون باليسير خاصة في ظل نقص التجارب السابقة لدمج الشباب (تجاهل الدولة لعقود) والتحديات السياسية التي تواجهها مصر وعقود وأد طاقات الإبداع والابتكار للشباب مما نتج عنه ما يسمى الدولة العجوزة التي انهارت في يناير 2011 وحان وقت اليوم لبناء الدولة الشابة بكل قياداتها القادرة على العطاء الفكرى والعلمى من أجل رخاء البشرية وتحدى الظلامية والإرهاب لتعود مصر المنارة الثقافية للشرق الأوسط ويجب ألا ننسى كلمة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تحدث فيها عن الأمل لدى شبابنا لأنه حائط الصد ضد الظلامية والإرهاب الذي يواجه العالم أجمع وأكد أن قضية السلام هي قضية الإنسانية.

يجب أن يدرك المجتمع عامة وجيل الآباء خاصة أن ثورة الشباب وتمرده يمكن توجيهها نحو البناء الحقيقى والابتكار في اتجاه محمود لإنتاج حضارى يعلى من قيمة الوطن وأن صدام الأجيال وكبتها ليس بالحل الأمثل اليوم وإنما يلزم سلوك طرق أكثر لينة وتفاهما بين الأجيال المتعاقبة من أجل الوطن ورفعته.

دبي كنموذج:
لقد أصبحت دبى المدينة الشابة الأولى على مستوى العالم التي يتهاتف عليها الشباب في العيش بناء على دمج ثقافات وفنون العالم بالثقافة الشرقية وفرص عمل وفرص واعدة لينتج عنها مزيج إبداعى ساحر فريد يستهدف الشباب وتم الاعتماد على التكنولوجيا في بناء مدينة ذكية تحت مسمى (دبى تبتكر)، وبالتالى أصبحت تستقطب الشباب المبدع ليس فقط من الشرق الأوسط وإنما من كل أنحاء العالم بكل ثقافاته وليس بهدف المكسب المادى فقط وإنما نمط الحياة المبهر واستيعاب الطاقات وتجديد الأفكار.

والمثير للدهشة أن مستوى الحريات السياسية في دبى يختلف تمامًا مع المفهوم الغربى للديمقراطية ورغم ذلك فلم تمثل أدنى مشكلة للشباب الإماراتي وإنما للشباب الوافد أيضًا لأنها حققت الأهم ألا وهو استيعاب الطاقة الحرجة للشباب في اتجاهات تعد أكثر أهمية للشباب واحتياجاته.

إن البناء المجتمعى المتماسك يخرج من خلال فكرة التعايش والحوار المجتمعى وليس من خلال التصادم المستمر والثورات ويجب أن يفرز المجتمع مجموعة من القيادات الطبيعية والحكماء تطرح حلولا تستوعب الشباب في حدود المتاح من إمكانيات لتطوير الوطن وعلى الرغم من أننا نعيش حالة الصراع بين الأجيال لعقود فإن الصراع الحالي أخطر على مستقبل الوطن.
الجريدة الرسمية