رئيس التحرير
عصام كامل

مونولوجست الشارع..«القلب يعشق كل كفيل»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«قولتلها تعبان يا ولية.. قالتلى روح السعودية.. تكسب وتربح يا عينيا.. وتجبلى طرحة وجلابية.. وتجيب كمان فيزا لحمو وتجيب لعمو مصلية.. وخسرت من عمرى سنين.. ورجعت راكب سحلية.. قولتلها تعبان يا زينات.. قالتلى روح الإمارات.. وأهو انت شاطر ومفتح.. والغربة عاوزة الحركات.. وابقى افتكرنى بجوز جزمة.. ومتنسانيش في الشرابات.. وخسرت من عمرى سنين.. ورجعت منها بفلسات.. قولت لها بعدين يا فكيكة.. قالتلى سافر أمريكا.. قولتلها جرى إيه يا ولية.. أكونشى مثلًا أبو تريكة... تلاتين طلاق ما عادت حاصلة.. وهاعيش وأموت في المنوفية».


لم تكن هذه الكلمات الظريفة كلمات لمونولوج يقدم في ساقية الصاوي، أو يُذاع على قناة فضائية تدفع لصاحبه أموالًا ليلعب معه الزهر، إنما هذه الكلمات هي كلمات لمونولوج قدمه مصرى مغترب بالسعودية يدعى غازى سامي، وشهرته غازى حبيبة، من فوق درجات سلم محل سكنه بالمملكة العربية السعودية، وكان غازى حبيبة بطل المونولوج من الألف للياء، فهو المؤلف والملحن، بل وهو أيضًا الموزع، كل ما احتاجه غازى حبيبة في مونولوجاته هو فقط موهبته الشعرية، والغنائية، بالإضافة إلى جردل مصنوع من بلاستيك، أو الخوذة التي يرتديها عمال البناء، ليقوم باستخدامهم بديلًا للطبلة، لينشر غازى أعماله على صفحته بموقعى التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، و«يوتيوب»، لتحصد آلاف المشاهدات والمعجبين من المغتربين وغيرهم.

تواصلت "فيتو" مع غازى حبيبة عن طريق موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وأوضح أن الشعر والمونولوجات، هما متنفسه الوحيد في الغربة، التي أجبرته الظروف عليها من أجل لقمة العيش، وتوفير حياة آمنة وكريمة.
وأضاف حبيبة أنه يشعر بالسعادة، كلما انتهى من تصوير أي عمل ونشره على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أنه لا يحتاج من الأعمال التي يقدمها سوى التعبير عن هموم الغربة.

وعن رأيه في مشكلات وطنه المختلفة، قال إنه يواجه السلبيات التي تواجهه، هو وزملاؤه، في عملهم أو في حياتهم اليومية، بالشعر والغناء، وأوضح غازى حبيبة أن الآلاف من المغتربين يتواصلون معه ويشجعونه، لأنهم يشعرون بما يشعر به من هموم الغربة.
من رحم الشارع ولدت مونولوجات غازى حبيبة وتميزت بالجرأة، فلم يخش جبروت الكفيل، أو أن يبطش به، وقدم مونولوجًا ينتقد فيه نظام الكفالة في دول الخليج، قال فيه:
«القلب يعشق كل كفيل.. يا كفيلى يا حتة تفاحة.. يا معودنى النوم والراحة.. يا مرسينى بكل صراحة.. على وضع الفيل في الزنبيل.. يا كفيلى النيلى كوانيلي.. يا محير في الغربة دليلي.. يا كفيلى النيحة كوانيحة.. تدينى الراتب بفضيحة.. طب لية تمنعلى التحويل؟.. والقلب يعشق كل كفيل».
وفى فيديو آخر اتسم بخفة الدم، جمع غازى حبيبة زملاءه العمال الذين يعملون في شركة مقاولات ويقومون بصب خرسانة مبنى، ليقول غازى تشجيعًا لهم:
«والله وصبوها الرجالة.. من غير تقوية ولا سقالة.. لا تقوللى هنود ولا بنجالة.. إحنا الرجالة الشغالة.. إحنا اللى بنينا وعلينا.. وعملنا من الصحرا جنينة.. ولا لحظة عشناها عوالة».

كما حمل غازى حبيبة هموم المصريين المغتربين في المملكة العربية السعودية، وعبر عن استيائهم من أداء السفارة المصرية هناك، وعدم اهتمامها بأبناء الجالية، فانتقد أداء السفير المصرى بالسعودية، قائلًا:
«إزى الصحة.. إزى الحال.. طبعًا فل وعال العال.. شفت يا حمو سفيرنا المصري.. جوة الشاشة وطالع حصري.. كله شياكة وذوق ومعلم.. وكمان بيغنى وبيقسم.. وكأنه الريس متقال.. إزى الصحة.. إزى الحال.. قالك كل الناس مبسوطة.. والإقامات كلها مظبوطة.. مشكلاتكم عندنا في النوتة.. كان ناقص يرقع زغروطة.. وينقطنا بخمسة ريـال.. إزى الصحة إزى الحال.

أما عم محمد محمد جاد، فهو رجل مسن بسيط من محافظة السويس، يعمل في مهنة «سن السكاكين» التي شارفت على الانقراض، لكنه يمتلك موهبة غير عادية، وله صوت رائع، يشدو به في الشارع ليناول إعجاب المارة، ويجوب عم محمد شوارع السويس ليمارس مهنته ويقوم بسن السكاكين، ويتوقف في بعض الشوارع ليسأل كل شخص عن اسمه، ويلتف الناس حوله ليقدم لكل واحد مونولوجًا خفيفًا مرتجلًا يحمل اسمه، وقال عم محمد في حوار صحفى بمجافظة السويس، إنه يغنى في الشارع لكى يحافظ على بقاء مهنته، التي شارفت على الانقراض، وعندما طلب منه أن يشدو بأغنية، غنى عم محمد قائلًا: «سألونى أنا مين.. قولتلهم أنا بتاع السكاكين.. أنا الزمان هدنى ولا حد بيودني».

هذه النماذج وغيرها كثير، تدل على أن فن المونولوج ليس له موطن يحتضنه، أو مسرح يمتلك الحق الحصرى له، لكن يمكن أن يولد المونولوج من رحم الشارع، والظروف الإنسانية، ويمكن للشخص البسيط، فقير الحال، إذا امتلك الموهبة أن يقدم مونولوجات جميلة وخفيفة الظل، أفضل كثيرًا، من بعض المونولوجيستات رواد المسارح والفضائيات ثقيلى الظل من المستظرفين والمستظرفات وساء أولئك رفيقا.
كما يؤكد أن المصريين قادرون على تجاوز كل مشكلاتهم والسخرية من مشاكهم وصناعة حالة من البهجة والسعادة.
الجريدة الرسمية