مغزى المليارات الأربعة من الإمارات العربية!
قد تحذو دول عربية أخرى حذو الإمارات العربية التي منحت مصر أمس أربعة مليارات دولار، ونرى دعمًا خليجيًا جديدًا لمصر بعد أن بدا للجميع أن المؤامرة على أشدها، فالأزمة السورية تلفظ -أو يجب أن تلفظ- أنفاسها الأخيرة حيث -أولاً- يحقق الجيش السوري نتائج مبهرة على الأرض وبات بالفعل وكما قلنا سابقا إن الحل العسكري وارد لمصلحته وممكن بعد الانتصارات الأخيرة.
وثانيًا فبقاء التحالف ضد سوريا كما هو وبكامل تركيبته أصبح صعبًا جدًا بعد تصريحات كيري من أن "سوريا لا يمكن أن تعود موحدة كما كانت"، وتصريحات نتنياهو التي قال فيها "إن الجولان ستبقى مع إسرائيل إلى الأبد"، بل أصبح الخليج العربي -نفسه- كله ولأول مرة في مرمى المؤامرة بشكل صريح ومباشر بعد المطالبة بقانون في الكونجرس يسمح باستدعاء أو اعتقال مسئولين في الدول التي ينتمي إليها متهمون في حادث الحادي عشر من سبتمبر الذي جرى في عام 2011 وهو ما أدى ولأول مرة لتهديدات سعودية بسحب الأرصدة من البنوك الأمريكية!
وكذلك تصريحات "ترامب" المرشح الجمهوري للرئاسة المعادية للسعودية، فضلاً عن حديث أوباما عن ضرورة مصالحة "إيرانية - سعودية" اعتبرت -خليجيا- بعد الاتفاق الأمريكي الإيراني انحيازًا لإيران وهو ما انعكس على الفتور الكبير الذي قوبل به أوباما في زيارته الأخيرة للسعودية.
الاستفاقة الآن تقتضي وحدة الصف وتوحيد الجهود وبناء القوى المشتركة، وأن يصل القطار -كما يقول المثل- متأخرًا أفضل كثيرًا من ألا يصل أبدًا.. والتقارب -التقارب العربي- على الأقل بات حتميًا مع ضرورة "تقفيل" ملفات اليمن وسوريا والضغط من أجل "تقفيل" ملف ليبيا ودعم العراق، ولكن كل ذلك لا معنى له بغير دعم مصر وعبورها أزمتها المصطنعة في العديد من جوانبها من قوى الشر هنا وهناك!
الآن.. الإمارات الشقيقة تنتفض من أجل مصر لتعود إلى دورها في 30 يونيو عام 2013، لتبقى الإمارات شديدة التميز في علاقتها بمصر من بين كل دول الخليج، المتميزة أصلاً في علاقاتها مع مصر، عدا قطر بطبيعة الحال، ويلاحظ أن السعودية في أزمتها الحالية مع أمريكا تحدثت نيابة عن دول الخليج وأكدت أن "دول مجلس التعاون تعيد تقييم علاقتها بالولايات المتحدة "وبالتالي إعادة تقييم" أمن الخليج كله "وهو ما لا يمكن فصله عن الأوضاع في مصر"، رغم أن جزءًا من الدعم يعود بالفعل للقرار المستقل لكل دولة في حين يعود جزء منه إلى القرار الجماعي والتنسيق الخليجي المشترك.
الإمارات ومشاريعها في مصر تشهد أنها لا تنظر إلى الأمور بدافع المصلحة وحدها، فأغلب دعمها ذهب إلى المصريين في صورة مشاريع مباشرة من وحدات سكنية للطبقات الفقيرة والمتوسطة ووحدات صحية ومدارس في مدن وقرى مصر وإصلاح مزلقانات السكك الحديدية، بل وتجديد أسطول النقل العام في القاهرة وتحديثه بالكامل، وكان ذلك قبل معاناة مصر مع أزمات السياحة والدولار ورجيني والطائرة الروسية والتقارير البريطانية عن مصر، والمعركة مع أمريكا من أجل نشطاء ومنظمات التمويل الأجنبي، لكن هذا كله لا يمنع الإحساس بالخطر على مصر والإسراع بالتدخل للوقوف إلى جانبها، وهي مواقف ليست جديدة على أبناء الشيخ زايد والأهل من أبناء شعب الإمارات الشقيق وما يربطهم بالمصريين مثل السوريين ثم التونسيين تمامًا من كيمياء خاصة لا يمكن المساس ولا العبث بها، وبما يؤكد أن القومية العربية تضعف أو تتراجع لكنها لا تموت أبدًا.
المأساة الكبرى أن الخليج بدوله كلها والدول العربية جميعها وروسيا وألمانيا وفرنسا وقبرص واليونان وقطاعات واسعة في إيطاليا، ودول عديدة في العالم، تؤمن تمامًا بوجود مؤامرة على مصر، بينما مصريون يعيشون بيننا يرفضونها ويشككون فيها، بل إن بعضهم وبشكل أو بآخر ضالع فيها ولذلك يقاتل معركته الأخيرة!