مؤامرة أمناء الشرطة !
قبل سنوات وقبل أن أغادرها عام 2005 حررت أسبوعيًا بجريدة «الأسبوع» في بداية صدورها زاوية ثابتة بعنوان "الشرطة والناس" تناولنا فيها العامل النفسي في العلاقة بين جهاز الشرطة والمواطنين و"حلم السلطة" المبكر الذي يتشكل عند الشباب في بلد أصبح فيه العمل بالشرطة متاحًا فقط في عهد مبارك إلى طبقة بعينها وبعدها إلى فئات محددة قادرة على تقديم ثمن التحاق أبنائها بالشرطة !
لم يستمر "الباب الصحفي" إلا أسابيع وكان نفوذ الداخلية على أشده حتى أن رجل الداخلية القوى اللواء رءوف المناوي كان يتحدى صفوت الشريف أقوى وزراء إعلام مصر ويؤسس لما سمي الإعلام الأمني وفرض نفسه على الساحة في تحدٍ كبير لذراع مبارك اليمنى، ولذلك لم نتمكن من الحديث عن البعد النفسي عند أمناء للشرطة بعد أن حللناه عند الضباط و"حلم السلطة" الذي يبدأ مبكرًا وقبل التحاقهم بكلية الشرطة بل يبدأ عند أهلهم أيضًا !
اليوم يفرض التحليل النفسي لسلوك أمناء الشرطة نفسه على الجميع حتى أنه من المدهش أن تجد سلوكًا عنيفًا واحدًا لفئة من الناس في نفس الوقت وبطريقة واحدة رغم العقوبات الصارمة على المخطئ منهم -حتى أن الكثيريــن يعتقدون ضلوعهم في مؤامرة ضد الدولة وهو ما يستحيل حدوثه إلا إن كان كل المخطئين اتفقوا على ذلك واتفقوا على التضحية بأنفسهم في سبيل إنجاح مؤامرتهم !!- حتى أن أمين الدرب الأحمر مثلا سجن بالمؤبد بعد أيام من جريمته بينما عتاة الإرهابيين يحاكمون منذ سنوات على تهم لم ينكروها ! وهذا يعني أن العقوبات الموقعة على الأمناء لا تشكل ردعًا ولا التلويح بقانون جديد ولا الإشارة إلى سحب السلاح حيث فشلت جميعها في أي ردع !
أمين الشرطة -في الغالب الأعم- ابن طبقة متوسطة يجد نفسه فجأة في حضن حضن السلطة.. وبعضهم يجد لنفسه مكانًا في المنطقة الآمنة الدافئة في المجتمع.. ويأتيه النفوذ وتأتيه السلطة على طبق من ذهب حتى أنه هو عين ضباط الشرطة، وبالتالي عين الشرطة كلها على أمور كثيرة.. هو ابن أسرة يريد أن يخبرها أنهم في حمايته وهو ابن شلة يريد أن يثبت لها تميزه عليهم وهو زوج أو خطيب أو عريس لأسرة يريد أن يقدم نفسه أمامهم أنه ظل الضابط بل ربما أهم في تحقيق الأمن وضبط سلوك الخارجين على القانون !
عقليات كتلك مع تعليم أقل وبالتالي تهذيب عقلي أقل لا ننتظر من سلوك بعض من أبنائها إلا ما يحدث وعند إضافة ما يحيط بها من صراع اجتماعي رهيب يجدون المغريات أمامهم بلا رقيب أو حسيب نعرف سر انحراف بعضهم في تحرير المحاضر وضبط وإحضار المطلوبين أو التغاضي عنهم بل التواطؤ من بعضهم أحيانًا مع الهاربين من الأحكام أو الهاربين من الخدمة العسكرية وهكذا !
هذه الفئة وهذه المهنة تحتاج إلى ضبط أدائها لكنها قبل ذلك تحتاج إلى ضبط عقول أبنائها أولا من تعليم وتثقيف وتهذيب نفسي كبير.. ولما كان الأمر يستغرق وقتا فعلينا ضبطه سريعًا بالقانون ثم بقانون المهنة والوظيفة ذاتها بحيث لا يترك للقط مفتاح الكرار ثم نغضب إن أساء التعامل معه !
كثيرة هي الأمور التي تحتاج حلولا جذرية فقط علينا أن نبدأ.. وعلينا إدراك أن التجاوزات ستبقى فهذه طبيعة بشرية إنما ما يعنينا هو الترف حال التجاوز وهنا نشهد بتحول كبير في الجهاز الذي كان رجاله في حكم مبارك فوق القانون وفوق الناس.. إنما اليوم وقد رصدنا في أسبوع واحد وسجن أكثر من عشرين ضابطًا في تطهير شامل لصفوف الداخلية من المنحرفين وقد رصدنا هذه القضايا في مقال سابق بالأسماء والتواريخ وعناوين القضايا ومع ذلك لا يشعر الناس بالتغيير بسبب الشوشرة الدائمة لهذه الفئات والانحراف بسلطتها ووظيفتها، وهو ما يتطلب اللجوء إلى حلول عاجلة غير تقليدية مع حلول جذرية وضعنا يدنا على بعضها في السطور السابقة !