رئيس التحرير
عصام كامل

أيام السعادة


أسعد أيام حياتى قضيتها فى الجامعة الأميركية فى يبروت، ولم أكتشف هذا بعد التخرج والعمل وإنما هو كان رأيى وأنا طالب، واكتشفت أخيراً أن رئيس وزراء فلسطين سلام فياض وصديق العمر زاهى المصرى لهما الرأى نفسه.


كانت أيام البكالوريوس فى العلوم السياسية طيبة، غير أن الماجستير فى الأدب العربى بإشراف أستاذى المفضّل إحسان عباس مضى كالحلم، فقد عدت إلى الجامعة وأنا رئيس تحرير وأعطانى رئيس الجامعة الدكتور صموئيل كيركوود تصريحاً لتدخل سيارتى المرسيدس (لزوم رئاسة التحرير) حرم الجامعة، وهو ما لم يكن متاحاً لكبار الأساتذة، فكانت أياماً وسنوات لا تُنسى.

عادت إليّ ذكريات الدراسة وأنا أحضر العشاء السنوى لجمعية خريجى الجامعة فى بريطانيا بمشاركة رئيس الجامعة الدكتور بيتر دورمان، وضيف الشرف رئيس وزراء فلسطين الدكتور سلام فياض، وسفيرة لبنان لدى بريطانيا السيدة إنعام عسيران، ورئيس جمعيات الخريجين حول العالم البروفسور نبيل الدجانى، الذى عرفته طالباً وأستاذاً، ورئيس جمعية الخريجين فى بريطانيا الصديق الدكتور طلال فرح. وكنت إلى طاولة مع رياض كمال، المهندس خريج بريطانيا، وزاهى المصرى، وهانى الدجانى، الصيدلى المعروف، والزوجات.

تربطنى وأسرة المصرى صداقة عمرها عقود، والباشا (لاحقاً) طاهر المصرى اختار الدراسة فى الولايات المتحدة، فى حين قرر ماهر وزاهى الدراسة فى بيروت، وطلبا منى أن أستأجر لكل منهما شقة. وجدت لماهر شقة فى أول شارع المقدسى حيث كان يقوم بيتى، ولم أجد شقة مناسبة لزاهى فأعطيته شقة «سرّية» لى على الروشة، فكانت الشقتان باسمى، وهما يدفعان الإيجار الشهرى.

فى حفلة الخريجين ألقى الصديق الخريج مثلنا، رجل الأعمال المعروف معتز الصوّاف كلمة قصيرة جمع فيها بين النصح والذكريات. ومعتز يعمل على تنفيذ فكرة لإحياء ذكرى صديقنا المشترك رسام الكاريكاتير محمود كحيل، ومهمتى أن أساعده فى الأفكار والتنفيذ.

أخونا سلام فياض تحدث عن مآسٍ يواجهها المواطن الفلسطينى تحت الاحتلال، وصعوبات تأمين الماء والكهرباء، والقيود على حرية التنقل، وأكد للحاضرين وصوته يتهدّج أن دولة فلسطين المستقلة قادمة. وقلت له بعد ذلك إن السلام مستحيل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية فلم يعارضنى.

ماهر المصرى اختار فى الجامعة أن يركز على تحرير فلسطين، واخترت وزاهى أن نركز على العناية بالبنات والانتصار لقضاياهن، بتجرد وشهامة ومن دون أى هدف شخصى طبعاً.

كنت أوقف سيارتى فى الجزء الأعلى من الحرم الجامعى، فإذا وجدنا طالبة تريد النزول الى الجزء الأسفل المحاذى للبحر أخذناها بالسيارة، لنعود بطالبات يردن الصعود الى الجزء الأعلى. وهكذا فعندما سألنى عمّى عن تخصصى، قلت صادقاً «شوفير».

كانت أياماً سعيدة كلها. حتى تشريح الضفادع فى مختبر الحرم السفلى كان رائعاً مع وجود البنات معنا أيام بدأت موضة التنانير القصيرة (مينى). كان يُفترض فى طلاب العلوم السياسية أن يأخذوا مادة علوم أو اثنتين، وذهبت وزاهى الى أستاذ علم الأحياء وطالبناه بعلامة «سى»، أو حوالى سبعين لكل منا، لننجح فقبل. وأخذت مرة مادة اقتصاد، وهو ما درس سلام فياض فى بيروت قبل أن يُكمل فى الولايات المتحدة ويحصل على الدكتوراه.

وذهبت الى أستاذ الاقتصاد محاولاً أن أستعطفه لأننى أعمل ومادة الاقتصاد اضطرارية لا اختيارية لى. غير أننى قبل أن أفتح فمى سألنى هل عايدة الخازن قريبتى. قلت له إنها بنت عمى، ووجدت أنها كانت زميلته فى جامعة جونز هوبكنز فى واشنطن حيث درست هى الطب ودرس هو الاقتصاد. وباختصار نجحت فى الاقتصاد بفضل بنت العم.
هى أيام حلوة لن تعود.
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية