الباحثون عن نقطة التقاء
راجت فى الأيام الأخيرة كلمات ودعوات من نوع "لابد أن يجد الطرفان المتعارضان؛ جبهة الإنقاذ والإخوان المسلمين، نقطة التقاء يلتقون عندها، ويبدأون منها حوارًا وعلى أساسها يصلون إلى ما هو مشترك بينهما"، وعادة من يقول ذلك ينهيه بكلمات من نوع: "وإلا ستدخل البلاد فى فوضى، ولابد أن يعلم الطرفان أن أحدهما وحده لن يستطيع قيادة البلاد والخروج بها من أزمتها".
الكلام شكله جميل ومقنع طبعًا لمن يسمع، لكن يفوت هؤلاء دائمًا أن أزمة مصر هى فى عدم اقتناع النظام الحاكم بذلك. وأن هذا النظام لا يريد من الأساس حوارًا ولا نقط التقاء مع المعارضة، لقد سبق من قبل أكثر من مرة أن دعا هذا النظام إلى حوار، وبعضه حضره الرئيس بنفسه وكان يسمع ويسمع بعد أن يقدم خطبة طويلة ثم لا يجيب على ما يسمع ولا ينفذ منه شيئًا، حتى أيقن الجميع أن الأصل فى المسألة هو أن تنشر الصحف لقاء الرئيس مع المعارضة، التقى الرئيس النشطاء السياسيين فى الأيام الأولى لوصوله إلى الحكم، هؤلاء النشطاء الذين وقفوا معه ضد أحمد شفيق ووعدهم بما يريدون، وما يريدونه بالمناسبة هو للوطن وليس لهم، وخرجت الصور المبهجة التى بدا على وجوه الجميع فيها الفوز والنجاح، ولم يقدم الرئيس شيئا ولا فتح بابًا لشىء، التقى الرئيس المثقفين واستمع بعد خطبة طويلة، ولم يعلق على شىء مما قيل، التقى الرئيس قيادات من المعارضة مثل حمدين صباحى والدكتور البرادعى والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، واستمع ولم يعلن عن أى شىء، بل العكس أعلن بعد أيام إعلانه الدستورى الأول الذى من يومها لم ترَ البلاد يوم راحة.
وكان كما نعرف جميعا بداية الانفراد بالسلطة والتغول فيها، وكأنه يعلن لكل من صدقوه موتوا بغيظكم، المهم أن تلتقط الصحف الصور لنا وتعلن، ومن ثم تفوّق الشباب على الكبار الذين ذهبوا للقاءات أملا فى وطن حقيقى، أو حقنًا لدماء الوطن، تفوق الشباب على الكبار، وقرروا العودة إلى الشارع واستمرار الثورة وتقديم الدماء التى لم يشعر الرئيس بأى حرج فى إهدارها، بل وصف أصحابها بالبلطجة، وحيّا قوات الأمن التى تسفك الدماء، وهكذا.
هل الذين يتحدثون عن نقطة التقاء خروجا من الأزمة لم يروا ذلك، أَفْهَمُ أن يقول ذلك رجال الدبلوماسية الأجانب، فهم فى النهاية لا يهمهم أن تنجح الثورة أو تضيع ما دام النظام يلبى مطالبهم وينصاع لأوامرهم، لكن أن يقوله مصريون من المفكرين والسياسيين وغيرهم أمر مضحك، فهم يسوون بين المعارضة التى أبدت حسن النية عشرات المرات وبين النظام الذى يبدى دائما سوء النية، طيب ماذا سيحدث إذا قدمت المعارضة ما يدل على رغبتها فى الحوار، وتنازلت عن بعض مما تريد، هل سينصاع لها النظام؟ لن يحدث، فالأصل عنده هو الانفراد بالسلطة، فهو لا يرى إلا الإخوان المسلمين.
ومن يريد دورًا فى هذا الوطن لا بد له أن يدخل جماعة الإخوان المسلمين التى بدورها لا تعرف ولا تعترف بالوطن، فما مصر إلا ولاية يمكن أن تكون تابعة لنظام إسلامى عالمى، لكن لا تكون أصل الأشياء ولا أساسها، تاريخها لم يبدأ إلا عام 1928 مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وكل ما سبق ذلك لا معنى له، بل إن الأصل فى جماعة الإخوان المسلمين كما حدده حسن البنا هو هدم الدولة الحديثة التى أنشأها محمد على.
فهى دولة للكفر، وإنشاء دولة مثل السعودية يحكمها خليفة للمسلمين، ويصبح الناس رعايا لا مواطنين، تقودهم شرطة دينية تجعلهم هم وأهل الصحراء شيئًا واحدًا، رغم أن مصر لم تكن أبدًا صحراء، حتى سيناء فى العصر الفرعونى كانت أرض الفيروز والمعابد ومعبر التجارة والجيوش، أما الصحراء الغربية فكانت سواحلها سلة غلال العالم، وبدو سيناء والصحراء الغربية لم يصيروا كذلك إلا لبُعد الدولة فى العصور التالية عن هذه الأماكن، وترك أهلها للعادات الأقرب فى المكان إليهم، ولم يحدث أبدًا أن رفض هؤلاء ولا أولئك أى شكل من أشكال التقدم الصناعى أو الزراعى.
بل إن المشكلة الكبرى هى فى عدم توفير مصادر الرى لهم لتتغير الحياة، وإغلاق فرص العمل عليهم فى كل المشاريع السياحية، فضلا عن أن عدد القاطنين على ضفاف النيل يزيد دائما على 90% من عدد السكان جميعا، إذن الدعوة الإخوانية هى دعوة لحكم البداوة، ولا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد، من ذا الذى يحدّث المصريين عن الدين وهم أول من عرف الآلهة، وأول من عرف الإله الواحد، وفتحوا بلادهم فى كل وقت لدعوات التوحيد من الأديان الأخرى، ما يحدث فى مصر الآن ليس دِينًا ولا هو من أجل الدين، هو سياسة ومن أجل استعباد البشر، وهذا هو السر فى رفض النظام لأى حوار، ومن ثم أيها الذين تسوون بين النظام والمعارضة أفيقوا، أى اقتراب من المعارضة سيجعلها تعود بخُفَّىْ حُنَيْن، وستجد مَن التف حولها قد انفضّ عنها.
IBRAHIMABDELMEGUID@HOTMAIL.COM