رئيس التحرير
عصام كامل

«المصالح الدولية في منطقة الخليج».. دراسة تاريخية

فيتو

تعد هذه الدراسة من الدراسات والبحوث التاريخية الاستراتيجية المهمة، والجادة والمتخصصة التي تم عرضها في هذا الكتاب القيم عن المصالح الدولية في منطقة الخليج، وهي عبارة عن عرض لوجهات نظر خبراء ومختصين من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا حول سياسات حكوماتهم وأهدافها الاستراتيجية تجاه منطقة الخليج العربي، وكيفية تفاعل هذه الدول فيما بينها في سبيل تنفيذ هذه السياسات، والديناميات المختلفة التي تؤثر في التطورات التي تشهدها منطقة الخليج العربي، وذلك من ندوة علمية دولية نظمها مركز اﻹمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان المصالح الدولية منطقة الخليج، في أبوظبي بدولة اﻹمارات العربية المتحدة.


ويتكون هذا الكتاب من 202 صفحة من القطع الكبير، ويشمل على مقدمة بعنوان: القوى الكبرى ومصالحها في الخليج، كما يحتوي الكتاب على خمسة فصول، ويلي ذلك قائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة.

درس الفصل اﻷول موضوع الخليج في سياق السياسة الخارجية الروسية بقلم نيكولاي زلوين، وتناول الفصل الثاني السياسة الفرنسية في الخليج: الفرص والتحديات والانعكاسات بقلم باسكال بونيفاس، وعرض الفصل الثالث لموضوع ألمانيا والخليج: نحو صوغ سياسة ألمانية بقلم فولكر بيرثس، وناقش الفصل الرابع أولويات السياسة اﻷمريكية في الخليج: التحديات والخيارات بقلم مارتن إنديك، واختتم الفصل الخامس المنهجية الاستراتيجية البريطانية إزاء الخليج بقلم رززماري هوليس.

وأوضح التقديم الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج وتنافس القوى الأوروبية، ومحاولة السيطرة على منطقة الخليج العربي، وتضارب مصالحها أيضا، كما تمحور الحديث حول المصالح الدولية في منطقة الخليج والقضايا المختلفة التي تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والتنمية البشرية في منطقة الخليج العربي محور الدراسة.

وجاء نص بهذا التقديم بقلم الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية:
(احتل الخليج العربي، منذ قرون مضت، مكانة مهمة بالنسبة إلى مصالح القوى اﻷوربية، فبداية، أكدت الطرق البحرية حول شبه الجزيرة العربية، ولاحقًا الطرق البحرية المختصرة بين أوروبا وشبه القارة الهندية التي تمر عبر قناة السويس، أن قوى أوروبية متعددة ستبقى دائمًا "عينا مفتوحة" على التطورات في المنطقة؛ وإن كانت هذه القوى قد اكتفت في بعض اﻷحيان بدور مراقب فحسب، فإنها في معظم اﻷحيان قد تدخلت في شئون المنطقة لتضمن أن اﻷمور تسير بما يتوافق ومصالحها.

وخلال القرن العشرين، انضمت مصالح "العالم الجديد" إلى الأطراف التقليدية الفاعلة، وذلك مع تنامي القوة والنفوذ اﻷمريكيين بسرعة بالغة، ومنذ اكتشاف النفط أوائل القرن العشرين، تحديدًا، أصبحت الدول المطلة على الخليج العربي خاضعة لنفوذ القوى الكبرى، والتي تمثلت في معظم اﻷحيان في شركات النفط الوطنية والدولية النافذة، الراغبة في استكشاف الاحتياطات النفطية العظيمة في المنطقة.

ولاحقًا، مع نهاية القرن المنصرم، ارتبطت المصلحة التجارية -المتمثلة قي ضمان إمدادات نفطية مستقرة ووصولها بأسعار منخفضة إلى أسواق الطاقة العالمية، وخصوصًا السوق اﻷمريكية- بالمصلحة السياسية والاستراتيجية لضمان اﻹمدادات النفطية.

وتضم المنطقة أنظمة عدت صديقة من منظمور المصالح الغربية فتلقت دعم القوى الغربية الكبرى، بينما عدت أنظمة أخرى معادية، ما استدعى إزاحتها بالقوة أو فرض عقوبات دولية عليها لاحتوائها، ولعل العراق وإيران من أبرز اﻷمثلة على مثل هذه السياسات.

وقد قامت الحرب في العراق عام 2003 مثالا واضحا على المصالح القومية للقوى الكبرى الفاعلة في منطقة الخليج العربي.. وللولايات المتحدة اﻷمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا مستويات مختلفة من الارتباط بمنطقة الشرق اﻷوسط على وجه العموم وبمنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، بيد أن طبيعة ارتباط هذه القوى بمنطقة الخليج تميلها أساسًا ما يعتقد كل طرف أنه جزء من مصلحته القومية.

وهناك ثلاث قضايا ذات أهمية متفاوتة بالنسبة إلى هذه القوى الكبرى فيما يتعلق بمنطقة الخليج العربي، وهي: ضمان الواردات النفطية، والإصلاحات السياسية، والتنمية البشرية، ففي حين ظلت السياسة اﻷمريكية إزاء المنطقة، وحتى عهد ليس بالبعيد، محكومة بالحاجة إلى ضمان الواردات النفطية بأسعار متدنية، ووفقًا لما يقتضيه نموها الاقتصادي، فإن الهجمات اﻹرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد جعلت اﻹصلاحات السياسية والاجتماعية في دول الخليج العربية أمرًا ملحًا، والتي عدت إجراءً مضادًا لانتشار اﻷفكار الراديكالية واﻹرهابية.

وبينما تتفق القوى اﻷخرى، إلى حد بعيد، مع الولايات المتحدة اﻷمريكية فيما يتعلق بالحاجة إلى تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية في المنطقة، والحاجة إلى ضمان أمن منطقة الشرق اﻷوسط واستقرارها، فإن لكل من هذه القوى الكبرى وجهة نظرها فيما يتصل بتحقيق هذه الغاية، كما أن كلا منها قلقة إزاء الهيمنة اﻷمريكية في المنطقة، وإزاء الطريقة التي قد تراها الولايات المتحدة مناسبة للسعي وراء مصالحها القومية في منطقة الخليج العربي تحديدا.

لقد ولت اﻷيام التي كان يمكن فيها للقوى الكبرى أن تفترض ببساطة إرادتها على حكام منطقة الخليج؛ إذ إن لدول الخليج العربية، بوصفها دولا ذات سيادة، ومن أهم الأطراف الموردة للنفط إلى أسواق الطاقة العالمية، مصالحها القومية، كما أن لها رؤيتها لمستقبلها ومستقبل المنطقة برمتها.

ورأينا في العقد اﻷخير من القرن العشرين الولايات المتحدة اﻷمريكية وحلفاؤها يشنون حربًا من أجل طرد القوات العراقية الغازية من دولة الكويت، فيما شهدنا في مطلع القرن الحادي والعشرين دخول الولايات المتحدة وشركائها في التحالف في حرب أخرى في العراق.

وهناك تشابه واختلاف ذو أهمية بالغة بين الحدثين المذكورين، أما التشابه فيكمن في أن الحربين كانتا تهدفان، في نهاية المطاف، إلى ضمان وصول الواردات النفطية من منطقة الخليج إلى أسواق الطاقة العالمية.

وأما الاختلاف فيمكن في حقيقة أن حرب الخليج عام 1991 قد شنت في إطار دعم وتعاون المجتمع الدولي وموافقة هيئة اﻷمم المتحدة، في حين أن الحرب على العراق عام 2003 شنت رغم عدم موافقة المجتمع الدولي ممثلا بالنظمة الدولية ذاتها.

ومما لا شك فيه أن اﻷهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي تكمن في قدرتها الواسعة على تلبية متطلبات أسواق الطاقة العالمية من النقط بأسعار تقل عن اﻷسعار التي يمكن أن توفرها أي منطقة منتجة للنفط في العالم، وفي ذلك نعمة ونقمة معا للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.

فالنعمة بالنسبة إلى الدول المنتجة تكمن في أن العوائد النفطية قد وفرت لها الموارد اللازمة للتنمية الاقتصادية بل منحتها صوتا مسموعا في المحافل الدولية، أما بالنسبة إلى الدول المستهلكة، فقد توفر لها النفط بأسعار معقولة ومناسبة لتحقيق التنمية الاقتصادية السريعة.

وأما النقمة بالنسبة إلى الدول المنتجة فقد تمثلت في التدخل،على مدى عقود، في هذه المنطقة، بل في بعض اﻷحيان في الشئون الداخلية للعديد من دول المنطقة، أما بالنسبة إلى الدول المستهلكة، فقد ترتب على ذلك تعميق نقاط ضعفها بسبب اعتمادها في مجال الطاقة على الدول المنتجة وحاجتها إلى ضمان استقرار الدول المنتجة والمنطقة برمتها، وقد كانت التكلفة السياسية والمالية والبشرية لذلك في بعض الأحيان باهظة.

ورغم أن كل الدول لها مصلحة في استمرار إمدادات النفط واستقرار اﻷسعار، فإن مصالح دول، مثل الولايات المتحدة اﻷمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، في المنطقة أكثر بروزًا بسبب قوتها ونفوذها في الشئون العالمية والمنتديات الدولية، ويقال في العادة إنه عند الحديث عن السياسة الخارجية، فإن الدولة لا تفكر في أصدقائها، بل في مصالحها فحسب، وتظهر الديناميات المعاصرة في منطقة الخليج هذه المقولة بطريقة جلية).
الجريدة الرسمية