رئيس التحرير
عصام كامل

«الأبنودي» رفض المناصب والوظيفة كانت تعني له القيود

فيتو


  • - كان يرى نفسه حزبا بذاته ويشعر أنه ليس موظفا 
  • - حزن لعدم سؤال بعض الشخصيات التي كانت تظهر القرب منه عنه في مرضه
  • - أعكف الآن على كتابة «حكايات نهال مع الخال»
  • - كان مقاتلا شرسا لا يعرف اليأس
  • - قدم لمحات من سيرته في «أيامى الحلوة وجذور»
  • - «مشاركة الشباب في الحكم وتحسين أوضاع الفقراء» حلمه الأخير 
  • - كان يتشائم برؤية «الغربان» ويكره الوجوه «العابسة»
  • - لم أجرؤ على خوض تجربة الكتابة في حضوره
  • - أوصانى بإتاحة أعماله للأجيال القادمة 

«مهمتى الآن تنفيذ وصية الأبنودى فهذا حقه على» هكذا أكدت الإعلامية نهال كمال أرملة الخال عبد الرحمن الأبنودى، وقالت إنها ستتيح تراث الأبنودى كاملا على موقع يحمل اسمه تنفيذا لرغبته في ألا يمحى اسمه من الذاكرة وأن يكون دائما حاضرا في أذهان الشباب، مشيرة إلى أن آخر حلم للأبنودى في الحياة أن تتقدم مصر للأمام وأن يقود الشباب دفة الحكم وتتحسن أوضاع الفقراء ويعيش المصريون حياة كريمة.
وأضافت نهال كمال في حوارها لـ«فيتو» أنها لم تجرؤ على خوض تجربة الكتابة في حضرة الخال، وأن الأبنودى دائما ما كان يتشائم برؤية «الغربان» وكان حريصا على حل الكلمات المتقاطعة يوميا.
إلى التفاصيل:

• لماذ لم يكتب الخال عبد الرحمن الأبنودى سيرته الذاتية؟
لم يكتب الأبنودى سيرته بالشكل المتعارف عليه، ولكن من خلال المقالات التي كتبها في جريدة الأهرام بشكل أسبوعى، ذكر لمحات من سيرته الذاتية،ولقطات من حياته التي رآها تصلح أن تعبر عن سيرته، والتي جمعت بعد ذلك في كتاب «أيامى الحلوة»، بالإضافة إلى برنامج «جذور» الذي قدمه للتليفزيون المصرى، والذي حكى فيه عن تفاصيل حياته والأماكن التي عاش فيها قرية أبنود والشخصيات التي أثرت في حياته، وهذا يعد سيرة ذاتيه ولكن بشكل غير مباشر، وحرص الأبنودى من خلال لقاءاته التليفزيونية والصحفية أن يسجل ويوثق مواقفه حتى لا يفترى عليه أو يتم تأويله تجاه أمر ما.
• شعر الخال عبدالرحمن الأبنودى بعلامات الموت.. فهل تغيرت عاداته قبل الرحيل؟
الأبنودى مثال للمقاتل الشرس، وإنسان لا يعرف اليأس، ففى آخر لحظات حياته كان يمسك القلم ويكتب، سواء شعرا أو أوبريت لافتتاح محور قناة السويس، ويوميات الأخبار التي اعتاد على كتابتها أسبوعيا، بالرغم من ساعات كان القلم يخونه وبدأ خط يده يفقد جماله، وكان الأبنودى دائما يقول «أنا المريض بخلينى على جنب..وأما الأبنودى الشاعر هعيش حياتى وهفضل اكتب».
• وكيف كانت تتقبل الأسرة كلمات الخال عن إحساسه بقدوم الموت؟
البنات كانوا يغضبون عندما كان يقول ذلك حتى ولو كان على سبيل الهزار، أما أنا فاعتدت على ذلك، فدائما كان يؤهلنى بأنه سيموت في وقت ما، وخصوصا منذ أزمة المرض الأولى عام 1998 إلى عام 2015 نحو خمسة عشر عاما، ويقينى بالله أن الأعمار بيده وحده، أما البنات آيه ونور لم يستوعبا هذا الأمر وكانتا تشعران دائما أن الأبنودى سيرحل في أي لحظة ويتركهن مما ولد لديهن إحساس بعدم الأمان بفقد الأب.
• لم يطلب الخال الأبنودى أن يرى أحدا من أقاربه أو أصدقائه قبل الرحيل؟
لا.. ولكن كان حزينا جدا لأن بعض الشخصيات التي كانت تظهر له دائما أنها قريبة منه، ولم تهتم بالسؤال عليه في الفترة الأخيرة بعد اشتداد المرض عليه، وكان يقول«ايه ده معقوله؟!.. دول عارفين أنى عيان وبقالى فترة في المستشفى وما فيش حد منهم يكلمنى».
• لم ينتم الخال إلى حزب ولم تكن له شلة داخل الوسط الثقافى.. فلماذا آثر الابتعاد عن أية مناصب أو مشاريع تربطه بوزارة الثقافة؟
عبدالرحمن الأبنودى كان يرى نفسه حزبا بذاته، ووزارة الثقافة في عهد الفنان فاروق حسنى تم تأسيس متحف «السيرة الهلالية» للأبنودى بقرية أبنود بمحافظة قنا، أما المناصب فكان يرفضها وبشدة، لأنه كان يشعر بأنه ليس موظفا، فهو شاعر والشعر حرية والوظيفة بالنسبة للخال تعنى القيود.
أما بالنسبة للأمسيات الشعرية، فكانت مشاركاته عربية أكثر، على الرغم من حرصه على الذهاب إلى أي أمسية يدعا لها في نقابة الصحفيين، وكان يواظب على زيارة معرض القاهرة الدولى للكتاب كل عام.
• وما هو آخر حلم للخال عبدالرحمن الأبنودى أراد أن يحققه؟
كل أحلام الأبنودى كانت خاصة بمصر، أن تكون مصر في المقدمه وأن يتحسن أحوال الفقراء والبسطاء وتتوفر لهم حياة كريمة، فالأبنودى خرج منهم، وكان يقول دائما «أنا صوت الفقراء والضعفاء والمظلومين»، كان يتمنى أن يكون للشباب دور إيجابى وهم من يقودوا دفة البلاد ويدفعوها دفعا للتقدم، فالشباب والفقراء هما المشروع الكبير للأبنودى.
• وكيف كان يقضى الأبنودى يومه في الإسماعيلية؟
في الصباح كان يقرأ الجرائد كلها، وكان يحل الكلمات المتقاطعة أيضا في الجرائد كلها، فكان يعشقها ويعتبرها نوعا من الرياضة الذهنية التي تقوي الذاكرة، وبعد ذلك إذا كان سيكتب يأخذ أوراقه ويدخل مكتبه دون أن يتحدث مع أحد، ففى تلك اللحظة يكون فكره مشغولا بما سيكتبه، ودون ذلك يباشر السؤال عن أحوال الأرض والزرع، ويتجول قليلا في الجنينة، وبعد ذلك تبدأ مرحلة التليفونات فكان يتصل يوميا بأخته التي توفت قبله بعدة أشهر، وكان الأبنودى زاهدا في الطعام، على الرغم من أنه كان يعشق الطبخ بنفسه والذي تعلمه من أمه الحاجة فاطمة قنديل، وكان يحب الفول والبيض الأومليت كان يأكلهم طوال الأسبوع، وفى الشتاء كان يستمتع بطبخ شوربة العدس، وكان لفنجان القهوة طقس خاص، حيث كان لا يتذوقها إلا في فنجان كبير مصنوع من الفخار في الصعيد.
• وهل كان الخال يتشائم ويتفائل من أشياء بعينها؟
كان يتشائم من رؤية الغربان وهى عادة قديمة في الصعيد، وكان يعشق رؤية اليمام في حديقة البيت، وكان يطلق عليها «أرض اليمام» وأيضا الزهور خصوصا الورد الأحمر، وكان الأبنودى يحب رؤية الوجوه المتفائلة ويكره بشده رؤية الوجوه العابسة المتجهمة.
• الصمت كان فلسفة الخال في عدم الرد على حملات تشوية..فلماذا؟
كان عبدالرحمن يرى أنه لا يملك الوقت للدخول في تلك المهاترات، فكان يرى أنه خلق للعمل وكتابة الشعر، وكان يؤمن أن أصحاب حملات التشوية هم "ناس فاضية" ويعانون من مشكلات نفسية وغير متصالحين مع أنفسهم.
• ألا تفكر نهال كمال في تقديم تراث الأبنودى على إحدى الفضائيات؟
أعكف الآن على كتابة «حكايات نهال مع الخال» والكتاب يكشف تفاصيل حياتى مع الأبنودى لا يعرفها أحد، كالأبنودى أب، ودور فاطمة قنديل في حياتنا ورحلاتنا سويا، وحياته في البيت، فالأبنودى رجل مستنير جدا ولم يكن أبدا صعيديا متشددا، فقد أعطى بناته كل الحرية في تحديد أهدافهم في الحياة، وكان يحترم المرأة إلى أقصى درجة بداية من والدته ودورها في الحياة، وكان يرى أن المرأة المصرية تملك الإمكانيات والطاقة المذهلة التي تؤهلها للمشاركة الفعاله في المجتمع وهذا بخلاف دورها المقدس في تربية الأبناء والحفاظ على الأسرة.
• ولماذا لم تخوضي تجربة الكتابة في حياة الخال؟ وهل شجعك على ذلك؟
لم يدفعنى الأبنودى إلى الكتابة مطلقا، وأنا أيضا لم أجرؤ على الكتابة في وجوده، فبمجرد تفكيرى بأنه سيقرأ ما أكتب كنت أشعر بأنه لن يعجبه.. بصراحة «كنت هخاف أوريله اللى أنا كتباه» وكنت أخشى أنه يجاملنى على الرغم من أن الأبنودى صريح للغاية ونقده لاذع إلى أقسى حد، فعندما كنت أقدم برنامج على شاشة التليفزيون ولا يعجبه كان ينقدنى بشدة وكنت أخذ بكلامه فيما بعد.
• وما الذي كان يغضب الزوج عبد الرحمن الأبنودى؟
الأبنودى لا يغضب بسهولة، ولكنه كان يصاب بالتوتر والقلق عندما يستعد لكتابة الشعر، وأبسط موقف يثير غضبه، أيضا إذا أطلع أحدا على إحدى قصائده قبل الانتهاء منها كان يغضب جدا، وكان يعتقد أن العين إذا رأت القصيدة قبل اكتمالها فلن تكتمل أبدا.
• وهل تتبرع نهال كمال بمكتبة الخال إلى إحدى الجهات الحكومية أوغيرها؟
بالفعل كنا نرسل بشكل دوري مجموعة من الكتب إلى مكتبه أبنود في متحف «عبدالرحمن الأبنودى- السيرة الهلالية» وسنواصل تلك العادة سنتبرع دائما للمكتبة لأنها من أكثر الأماكن التي تحتاج إلى الكتب.
• هل سيتم إعادة طبع أعمال الأبنودى خلال الفترة القادمة؟
من المفترض أن الهيئة المصرية العامة للكتاب تتولى طبع الأعمال الكاملة للأبنودى، ولكن تأخرت، وذلك بسبب تأخر الدكتور جابر عصفور في كتابة مقدمة الأعمال وعندما تم سؤاله عن أسباب التأخير قال«أنا مش لاقى الأصول»، ووعدنى الدكتور هيثم الحاج على رئيس الهيئة الحالى بإعادة طبع بعض الدواوين الشهيرة للأبنودى مثل المرعات ويامنه والأحزان العادية وجوابات حراجى القط، وسيتم عرض تراث الأبنودى كاملا على موقع الكترونى يدشن يوم 21 أبريل ويحمل اسمه، فكان وصيته لي أن أتيح أعماله لكل الأجيال القادمة حتى يظل دائما حاضرا بيننا.
الجريدة الرسمية