رئيس التحرير
عصام كامل

لم يعرفوا الله قط


النرجسية الدينية.. عنوان مقالى السابق، دونت "أصحاب النرجسيات الدينية لا يعيشون الحاضر ليفكروا بحل مشاكل ذويهم، بل يعتقدون دائماً أنهم الأفضل والأرقى والأكثر تدينا، فليس بغريب أن تجدهم يسوقون الآخرين بعصى كالخراف، ليصلوا وهم أنفسهم خارج مكان الصلاة، فهم لايحتاجون للصلاة لأنهم الأفضل.. أصحاب النرجسيات الدينية لايهتمون بتقديم إيمانهم من أعمال جميلة لخدمة البشر، بل اهتمامهم الأكبر هو البحث فى نقائص أديان الآخرين، لإثبات الريادة والسيادة.. من أجل تحويل الكل لدينهم وفكرهم.. ضاربين عرض الحائط بكلمات صريحة "إن شاء ربك لجعلها أمة واحدة".


أصحاب النرجسيات الدينية هم مرضى عميان عديمو الحس، ولم يشفوا، لأن الإحساس بالمرض هو بداية الشفاء، فهم انطلاقا من النرجسة الدينية يسبون الآخر، أيا كان دينه ويتهمونه بالكفر والشرك والبعد عن الحق، بينما هم فى الواقع كفرة بالجمال والحب، وكل شىء يسمو بالنفس والعقل، أصحاب النرجسيات الدينية هم لصوص وعتاة، لأنهم لم يسرقوا أموال الآخر فقط، ولم يستبيحوا دمه وشرفه وعرضه فقط، إنما سرقوا ونهبوا حق الله "الديان"، الذى سيأتى ويعطى الجميع حسب أعماله، فسرقوا حق الديان وتقمصوا شخصية الديان"...

الواقع يؤكد أن أصحاب النرجسيات الدينية لم يعرفوا ولم يؤمنوا بالله قط، فالأعمال هى ثمرة طبيعة للإيمان بالله، وكلما توطدت علاقة الإنسان بالله رأسياً كلما انعكست واتسعت أفقيا لتشمل كل البشر فى أعمال حب وراحة وعدل..

فجوهر الله هو الحب، الله محبة خالصة، الله رحوم رؤوف، ففى كتابنا المقدس عدد من المواقف تؤكد على طبيعة الله، لذلك ليس بغريب أن نسمع كلمات داوود النبى "أسقط تحت يدى الله ولا أسقط تحت يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة، "ويصور لنا الكتاب أن الله الحب الكامل، لذلك فها هو يترك التسعة والتسعين، ويبحث عن ابن واحد وسط القفار، ليجده ويحتضنه، لا يوبخه ويمزق جسده.. هذا هو مقصد الدين، لذلك نجد إخواننا المسلمين يصرحون "الدين يسر لا عسر".. يسروا ولا تعسروا.

أراد أحد رجال الدين أن يصف حب الله للبشرية الخاطئة، فذكر لمستمعيه هذه القصة لتقرب حب وعمل الله مع أبنائه المخطئين.. فذكر القصة التالية، بعنوان "عمل الله مع الخاطئ".. اعتقد الجميع أنه سيسمع الجلد والنحر والحرق، ولكن بدأ قصته: هكذا الأب المحب له ابن خطاء، ترك طريق بيت أبيه، وأصبح ابنا عاصيا، فسلك سلوكا مشينا هنا وهناك، وارتحل إلى أماكن كثيرة، زاعت أعمال الابن الشريرة فى البلد والبلاد المجاورة.. سجن الابن عشر سنوات، وبعد خروجه أراد الرجوع لبيت أبيه.. وهنا سأل الشاب نفسه.. هل أبى مازال حيا؟، هل مازال موجودا؟، هل يتذكرنى؟، هل مازال يحبنى؟،.. فأرسل خطابا لأبيه دون فيه "سوف آتى بالقطار يوم الأحد، الأسبوع القادم، إن وجدت على الشجرة الكبيرة أمام المحطة شارة بيضاء، سأعرف أنك مازلت تحبنى .. ومازلت تسعى لعودتى إليك.. وفى اليوم الموعود ركب الشاب القطار، وإذا به يجد أن كل الشجر فى محطات عديدة مرصع بشارات بيضاء..  ليس المحطة المعنية فقط بل كل محطات هذا القطار.. فتأكد أن أباه يحبه.. هكذا الله معنا.

لم يخلقنا ليعذبنا أو للانتقام منا، الله ليس سادى النزعة، بل الله محبة خالصة، الله بر ورحمة دائمة، الله لايتشفى فى المخطئين، بل يتأنى على الجميع ليعودوا إلى صوابهم .. الله جابل البشر مدرك ضعف كل أحد.. الله جل جلاله عظيم رحوم، لذلك فهو يتأنى على الكل ليعودوا، ونحن ندرك أن الله يشرق شمسه ويمطر مطره على الأشرار والأبرار.. ولاتقتصر عطايا الله على الأبرار فقط.

ولكن تلك الجماعات تتلذذ بسفك الدماء، وبجلد كل المخالفين والتكفير والاستحلال، إن أعمالهم بعيدة كل البعد عن صفات الله، إنهم جماعات سادية يقودها شياطين، اعتقدت أن الكمال ليس لله جل جلاله، بل لها، ولأتباعها فقط دون الآخر.

إنهم جماعات سادية تفرح بسفك الدماء، بينما حقيقة الله ينتظر رجوع الخطاة.. لذلك نتذكر قول السيد المسيح "لايحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى"، فكل إنسان بعيد عن الله هو محتاج إلى رحمة الله، ليس لنحره، وبذلك سيكون خسر حياته وأبديته بدون توبة..

 أخيراً.. إن الدين يسر لا عسر، الله رحيم رؤوف عطوف، يعرف خطايا البشر، لأنه جابلهم، ولكن هؤلاء الساديين هم شياطين مملؤون كبرياء ونرجسية.. لذلك اختزلوا الله داخلهم وأصبحوا يتحدثون باسم الله، ويعتقدون أن أعمالهم توافق طبيعة الله، والله منهم براء.

Medhat00_klada@hormail.com





"
الجريدة الرسمية