لا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة
لدي قناعة تزداد يومًا بعد آخر، بأن المهندس شريف إسماعيل لا يصلح رئيسًا للوزراء، فلم تمر على حكومته قضية وأبلى فيها بلاء حسنا أو حتى تم حلها، ولسنا هنا بصدد رصد تلك القضايا والمشكلات، ولكن أتوقف مليًا عند قضية الساعة التي فشلت في إدارتها الحكومة فشلا ذريعًا، وهي قضية "تيران وصنافير"، عبر مجموعة من المواقف داخليًا وخارجيًا كان ينتظر أن تستفيد منها حكومتنا أو ترد عليها، لكن ضعف الأداء الحكومي وعدم وجود وزير للإعلام في مصر، جعلها تمر مرور الكرام وتزداد أزمة "تيران وصنافير" عمقا مع تكالب إعلام الأجندات الخاصة على الرئيس والدولة وتعمد مقدمي برامج التحريض النفخ في نار الفتنة وتضليل المجتمع بشكل يومي لتأجيج الأوضاع المستقرة، وجر الدولة إلى سيناريو الفوضى الذي عانينا منه السنوات الماضية وأتى على الأخضر واليابس.
لكن لو كان لدينا وزير للإعلام لتمكن من التصدي لأمثال هؤلاء، ووضع من القوانين ما من شأنه ضبط انفلات الفضائيات، ولم يكن ليرحم أو يشفق على مقدمي البرامج الذين يتقاضون الملايين لضرب استقرار مصر لصالح قوى إقليمية ودولية يعرفها رئيس الوزراء تمام المعرفة، وإذا كان رئيس الحكومة يعول على رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، فهو للأسف لا حول له ولا قوة، وليس بمقدوره التحكم في قنوات وإذاعات الحكومة حتى نطالبه بالنظر في محتوى الفضائيات الخاصة.
لو كان لدينا وزير للإعلام لتمكن من إعداد مواد يرد بها الإعلام الرسمي مقروء ومسموع ومرئي على إفك وأكاذيب قنوات "الإخوان" التي تبث من تركيا ولندن، فضلا عن الجزيرة، ومن بينها قناة أيمن نور التي عرضت الجمعة الماضي تظاهرات حاشدة قالت إنها تعم محافظات مصر، وعندما علا صراخ "ارحل ارحل يا بشار" اضطرت القناة إلى قطع البث.. فأين إعلامنا من هذا؟!
أخيرًا أدرك رئيس الوزراء شريف إسماعيل خطورة الوضع المجتمعي وأطل عبر التلفاز في عجالة ليؤكد أن الجزر سعودية وأن مصر تتولى إدارتها منذ عام 1950 بخطاب من الملك عبدالعزيز آل سعود لأسباب سياسية، وكل الوثائق تثبت ملكية السعودية لهما، ومع هذا لن يتم تسليمهما إلا بعد تصديق البرلمان على القرار.. فلماذا انتظر إسماعيل انفجار الوضع ثم تحدث، ولماذا لم يعد العدة من البداية ووضح الأمر للشعب؟!
اعتمد "الإخوان" والنشطاء وحمدين صباحي ومعظم مقدمي البرامج على فيديو للرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقول فيه إن "تيران وصنافير" مصريتان، ولم تجد حكومة شريف إسماعيل طريقة للرد على هذا الفيديو، حتى كتب سامي شرف، مدير مكتب الرئيس الراحل، مقالا في الأهرام قبل يومين شرح فيه ملابسات قول عبدالناصر، مؤكدًا أنه قال ذلك "لسبب يتعلق بالأمن القومي سنة 1967، حيث أراد غلق الخليج، ولن يمكنه فعل ذلك إن لم تكن الجزر مصرية فقال هذا التصريح ليتمكن من غلق الخليج، رغم علمه وإقراره بأن الجزر سعودية"، ودعا شرف في المقال إلى تعيين وزير للإعلام لمواجهة ما تشهده مصر.
عندما يستغل أصحاب الأجندات الخاصة والجماعات الحركات المحظورة قضيـــة الجزر، ويدعون إلى التظاهر لجر مصر إلى أجواء الفوضى والتشابك، كان على الحكومة أن تطبق قانون التظاهر ولا يأخذها بهم شفقة ولا رحمة، لأن اللين والتفاوض مع المتظاهرين أشعرهم بأنهم الأقوى ودعوا إلى تظاهرات أخرى يوم الجمعة المقبل، وهكذا نعود إلى السيناريو السابق المرير!!
ضعف الحكومة ورأفتها بالمتظاهرين جعلت أمريكـــا تتطاول وتصرح بأن "البيت الأبيض يتابع التظاهرات الاحتجاجية المصرية بعناية".. وللأسف التبجح الأمريكي لم يجد ردًا مصريًا، ولو كان لدينا وزير للإعلام لذكرهم أن الشرطة الأمريكيــــة اعتقلت خلال أبريل الجاري فقط 1240 متظاهرًا لأسباب مختلفة، فلا يحق لهم التدخل في الشأن المصري.. كما أنه على حكومتنا أن تتعلم من حزم حكومة الكويت التي واجهت الإضراب الشامل في القطاع النفطي الحاصل الآن، برفض جميع المطالب وعدم الرضوخ، بل قررت إحالة رؤساء النقابات النفطية إلى النيابة، حيث لا تساهل ولا تهاون مع من يضر بالصالح العام ويتعمد لي ذراع الدولة.
عندما تتبجح السودان وتطالب بالتفاوض على "حلايب وشلاتين" أو اللجوء للتحكيم الدولي، فلا يكفي رد وزارة الخارجية بأنهما مصريتان، بل كان يجب على الحكومة أن تخرس الألسنة بملف تاريخي تفصيلي يثبت أن حتى السودان كلها كانت مصرية وليس فقط حلايب وشلاتين!!
أخيرًا، في وقت تعاظم فيه دور "الميديا" وباتت الحروب "إعلامية"، يجب على الحكومة الإسراع بتعيين وزير للإعلام يتحمل المهمة الثقيلة، وهو ما نبهت إليـــه في مقال سابق قبل بضعة أسابيع، لكن لا حياة لمن تنادي!!