رئيس التحرير
عصام كامل

بريطانيا..هل أصبحت كلمة السر؟


ليس فقط مقتل الباحث الإيطالى "ريجينى" هو الشاهد الوحيد على ما تسعى إلى إفساده بريطانيا في الداخل المصرى.. فقد بات لدى لندن قناعات شبه مؤكدة، أنه لا يمكن لها أن تعيد سيادتها البائدة في منطقة الشرق دون شريك أساسى فعال، أثبت بجدارة أنه قادر على زعزعة الاستقرار في تلك المنطقة؛ وفشلت أنظمة الحكم في تلك المناطق في التعامل معه بنفس الجدارة.. وكانت إسرائيل أو دولة الكيان الصهيونى هي محط الهدف!


ولما كانت المساندة العلنية لأفاعيل "إسرائيل" العنيفة في المنطقة محط شبهة.. فقد كان لزاما على بريطانيا أن تبحث لها أيضا عن شريك استراتيجي محلى.. من مقومات اختياره هو امتلاكه لطموح إقليمى، واستعداد أكبر للتضحية بالمبدأ والقيمة، من أجل إيجاد دور يجعله يَشُب من تحت أقدام الخليج.. ليصبح فاعلا ليس فقط في منطقة الخليج وحدها؛ وإنما في كافة الدول العربية.. ومن ثم فقد وقع الاختيار على"قطر" لتصبح مسئولة عن دعم وتمويل حركات التخريب الاجتماعى والسياسي والثقافى والاقتصادى الموسعة أسماها الغرب "ثورات الربيع العربى"!

ورغم أن فساد هذه الأنظمة العربية الحاكمة كان ولا يزال العنوان الأكبر للثورة في بلدان الربيع المزعوم، إلا أن التخطيط لإفساد تلك البلدان قد بدأ قبل حريق "البوعزيزي" في تونس بسنوات طويلة، وظهرت إرهاصاته مع تدشين أول أكاديمية للتغيير بلندن عام 2006م، والتي اتسع نشاطها باتخاذ وكلاء لها في التغيير بكل من "قطر" والنمسا. ومن ثم تصبح قطر هي الوكيل الرسمي للتغيير الآمن في المنطقة، تحت لافتة خداعة مكتوبا عليها" بناء قدرات المجتمعات العربية على تحقيق أحلامها" وحقيقة الأمر كان هدفها هو إنتاج مواطن عربي مُفَرغ من أي مضامين دينية أو وطنية أو تنموية.

من خلال إشغاله بشعارات براقة كـ "المدنية والديمقراطية والتحول الآمن والتغيير السلمي وحرية التعبير" ومن ثم الانتقال بـ"العقول التقليدية" للشباب، والتي تكرس فكرة الانتماء للوطن الواحد، وتُعلي الثوابت الدينية، وتقيم مصالحة ناجزة بين المبادئ الدينية والثوابت الوطنية. إلى "عقول جديدة" لا تعرف معنى للانتماء، ولا تقدر الحدود الوطنية، وتعمق الخلاف بين ما هو ديني وما هو وطني.

ومن ثم فإن أكاديميات التغيير هذه، والتي تتزعمها قطر في المنطقة بدعم بريطاني مشبوه تسعى إلى الانتقال الناعم بالصراع من التصادم العسكري إلى الحرب الاقتصادية، والانتهاء بتكريس "حرب العقول".. والتي خُطط لها منذ ثمانينيات القرن السابق من خلال استراتيجيات"تهويد العقل العربي"، والتي كان لها انعكاساتها الكبيرة في تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل..الأمر الذي يجعلك لا تستغرب عندما تقرأ عن تبرع ثرى قطري لبناء مستوصف طبي لفقراء إسرائيل! أو أن تسمع شبابًا مصريين يدافعون عن وجود إسرائيل؛ بدعوى أنهم خلق الله، وأن الأرض أرض الله، وأن الحدود الجغرافية من صنع البشر، ولا يجوز لدولة أن تحتكر الأرض!

وهذا التغيير المستهدف في تصوري لم يدافع فقط عن الوجود الصهيوني الذي استهدفته بريطانيا منذ التسعينيات تقريبا، عندما أسست مراكز متخصصة في تقديم "الخدمات السرية للمخابرات الإسرائيلية"، بل إيجاد وكلاء لها في كل من العراق وسوريا بدعم قطري، تحت ما يسمى بـ "أكاديميات التغيير" وإنما استهدف هذا التغيير في تصوري " تفحييم العقل العربي" الأمر الذي يجعلنا لا نستغرب التدخل القطري السافر في الشأن المصري، ولا نستغرب بالتبعية أن نرى شبابا يُحرقُون بلادهم. أو نرى فصيلا يطالب بغزوها، أو نرى فٍرَقا تطالب بالحصار الاقتصادي.. ولا غرابة أن ترى "داعش" تُحّلٍق في الأفق!

تشير الشواهد الخفية إلى أن أمريكا لم تعد اللاعب الوحيد في المنطقة العربية، ولا المسئول الأوحد عن تفكيك الكيان العربي إلى كانتونات صغيرة يسهل إداراتها والتحكم فيها، فهناك لاعبون جدد، يعيدون إنتاج أنفسهم في أثواب جديدة. تقوم على غزو العقل العربى، كبديل لأفكارهم الامبريالية البالية. ومن ثم فقد أقحموا أنفسهم عن عمدٍ في الصراع العربي الإسرائيلى، والذي تحول بشكل مدروس إلى صراع محتدم بين الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة!

وكان من الصعب بل من المستحيل على طرف خارجى أن يدخل هذه اللعبة إلا من خلال إسرائيل، باعتبارها الطرف الأساسي في اللعبة والتي أوهمت العالم على مدى سنوات طويلة بأنها "الابن الشرعي" لأمريكا. في ذات الوقت الذي كانت تفتش فيه عن "أبٍ" جديد.!!

فبعدما تأكد لإسرائيل أن سوء الإدارة الأمريكية هو ما سمح بوجود "إيران الذرية" والتي قد يكون لها تداعيات كارثية على التمدد الصهيونى؛ فقد حدث انتقال ناعم لـ"التبنى" من أمريكا إلى بريطانيا؛ الأمر الذي دفع الصحف الأمريكية إلى التوقع بأن خطاب "نتنياهو" المرتقب أمام الكونجرس سوف يكون الأهم؛ لما يحمله من تهديد صريح للعلاقات الأمريكية والإسرائيلية..خاصة وأن الإسرائيليين المؤيدين لنتنياهو يصفونه بأنه التلميذ النجيب لـ"تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا الأسبق.. وأن لهجة نتنياهو المهددة بقطع العلاقات الأمريكية؛ ربما تكون سببا لفوزه في الانتخابات للمرة الرابعة..الأمر الذي يجعلنا نتنبأ بأن تكون بريطانيا هي القبلة القادمة لإسرائيل!

ولعل هذا هو ما أغضب أمريكا ودفعها لأن تكشف عن تقاريرها الاستخباراتية التي تضع "لندن" في مقدمة الدول الداعمة، بل والمصدرة للإرهاب في الشرق الأوسط. وأنها قد أرسلت عشرات الشباب للقتال في الصومال وسوريا.. وأنها سمحت بتدريب شباب مع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، بل وصل الأمر إلى اعتراف صريح من "أدورد سنودن" الموظف بوكالة الأمن القومى الأمريكى بأن الوكالة شاركت في تنفيذ خطة بريطانية قديمة لحماية إسرائيل، تسمى بـ"عش الدبابير" تقضي بإنشاء تنظيم إرهابى قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، شعاراته إسلامية ويتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة.

حيث ارتأت المخابرات البريطانية أن الحل الوحيد لحماية إسرائي،ل يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده. الأمر الذي يتطلب وجود دولة عربية موالية لإسرائيل وبريطانيا. ومن هنا جاء لقاء مدريد عام 1996 لنشأة وتوثيق العلاقات القطرية مع إسرائيل! والتي أسفرت عن افتتاح المكتب التجاري لإسرائيل في الدوحة، وإنشاء بورصة الغاز القطري في تل أبيب. كما أن قطر كانت الداعم الأول لعمليات المصالحة الخليجية مع إسرائيل وإنهاء فترة المقاطعة غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل !!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية