الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق: مصر بلا عقل اقتصادى والتبرعات لا تبنى أوطانًا
>> نحتل المركز الأول في «السطوع الشمسى» ولا نملك مشروعات عملاقة في هذا المجال
>> نستورد 65٪ من غذائنا اليومي ونسير على خطى الأرجنتين!
قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالخالق فاروق، إن مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة للغاية منذ 40 عامًا بسبب ما وصفه بـغياب العقل الاقتصادي السياسي في الحكومات، وعدم التفكير إلا في الأرباح فقط وغياب العدالة الاجتماعية.
وأوضح فاروق أن مديونيات مصر بلغت حتى الآن 2.3 تريليون جنيه، مشيرًا إلى أن أهم الركائز التي تنهض الاقتصاد المصري مرة أخرى هو إعادة النظر في السياسات النقدية والمالية لمصر، وجذب المستثمر الأجنبي وتغيير قانون الضرائب من ناحية رجال الأعمال.. وإلى نص الحوار:
> ما رأيك في السياسات الاقتصادية التي تطبقها حكومات مابعد ثورة ٣٠ يونيو وتأثيرها في مستوى معيشة المصريين؟
لا يوجد عقل اقتصادي في هذه الحكومة، فكل هيئة تعمل في مسار لوحدها، فالسياسات الحكومية لم تتغير عن الحكومات السابقة بنفس السياسات الاجتماعية، وهذا من حيث الشكل ومن حيث المضمون ففي مجال الاستثمار والضرائب لن تتغير ونظم المديونية الداخلية والخارجية لم تتغير بل زادت، وأثرت بشكل سلبي كبير في مستوى معيشة المصريين، فلا يوجد أي عدالة اجتماعية ولا يوجد من الأساس عدالة تسير عليها أي سياسة.
> ما المقومات الاقتصادية التي يفتقدها النظام الاقتصادي في مصر؟
الاقتصاد المصري يفتقد العمود الفقري الذي يقوم عليه أي اقتصاد، ففي أي بلد يوجد ما يسمى قطاعات الإنتاج السلعي الذي يتمثل في "الطاقة، الزراعة، الكهرباء، الصناعة، قطاعات البناء والتشييد"، ففي حالة اختلال أي من هذه الموارد يختل النظام الاقتصادي، فمصر حاليًا تستورد 65% من غذائنا اليومي، فمعنى أن مصر تستورد هذه الكمية فان الضغط على الاحتياطي النقدي والاحتياج إلى الدولار، وبالنسبة للصناعة فنستورد أيضًا أدوات خام وتشغيل تصل إلى 70% من الخارج، وبالنسبة للكهرباء والطاقة حدث ولا حرج، فمصر تحتل المرتبة الأولى في السطوع الشمسي ولا يوجد لدينا مشاريع رئيسية عملاقة في هذا المجال، إلى جانب الفساد الذي يعم محطات الكهرباء، ووجود 840 ألف مستورد في مصر حاليًا أدى إلى تحكمهم في السياسة والقرارات الاقتصادية وهم مسيطرون على الغرف التجارية أيضًا، إذًا قطاعات الإنتاج السلعي في مصر غارقة في الفساد والإهمال، وهناك سوء واضح في الإدارة للسياسة المالية، فالنفقات تتزايد بشكل كبير وملحوظ، والنظام الضريبي غير عادل بالمرة.
> كيف ترى دور البنك المركزي في الاقتصاد المصري الحالي؟
السياسة النقدية التي يقوم بها البنك المركزي تحتاج إلى إعادة نظر فالبنك المركزي له 3 مهام، أولا الحفاظ على الاحتياطي النقدي وادارته بطريقة آمنة، ثانيًا الحفاظ على استقرار الأسعار، مراقبة الجهاز المصرفي، لكنه خلال الـــ 10 سنوات الأخيرة أصبح غير مهتم بضبط الأسعار واستقرارها وتركيزه فقط على الاحتياطي النقدي الذي يتآكل يومًا بعد يوم.
> وما حجم المديونيات الحالية على مصر؟
مبارك استلم مصر في أواخر عام 1981 وكان حجم المديونيات الداخلية آخر 15 مليار جنيه وفى عام 2011 بلغت الديون 888 مليار جنيه، ومن وقت الثورة حتى الآن بلغت الديون 2.3 تريليون جنيه يعني ٢٣٠٠ مليار جنيه.
> الدولار ارتفع بشكل كبير وملحوظ أمام الجنيه المصري خلال الفترة الأخيرة.. ما السبب الرئيسي وراء ذلك؟
الدولار في بداية 2002 وصل سعره إلى 3.40 أمام الجنيه المصري، وفجأة ارتفع حتى وصل إلى أكثر من ١٠ جنيهات، وكان الهدف من وراء الحكومات هو الحفاظ على الاحتياطي، ولكن الاحتياطي النقدي انهار أكثر، وزعموا ارتفاع الدولار سيساعد على التصدير وبالعكس قيمة الاستيراد زادت أكثر.
> وما الركائز الأساسية لإعادة بناء الاقتصاد المصري؟
يجب اختيار كوادر بشرية تكنوقراط أولا ولديها خبرات سياسية فنية في المجال ثم النظر بعد ذلك للمقومات الفنية، يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لعدم سيطرة نظام الشلل على القانون واستخدامه في مصالحهم الشخصية، ومراجعة فلسفة العمل الاقتصادي، إلى جانب استخدام سياسة أسعار السوق المخفض التي تعتبر من أهم مقومات رفع مستوى معيشة الأفراد وتحقيق المعادلة الاجتماعية والاقتصادية، ومراجعة أسعار الفوائد الدائنة والمدينة.
ومن جانب الحكومة يجب استخدام نظام الحكومة المنظمة خاصة بالوزارات الخدمية، فيجب عدم ضم الوزارات مع بعضها البعض؛ لأن كل وزارة لها اختصاصاتها ولها أعمالها ومهامها، ويجب وضع إستراتيجية كاملة لإعادة التوازن في الهيكل الاقتصادي من حيث الاهتمام بالصناعة والزراعة وتقليل حجم الواردات الصناعية والتوسع في مشروع الطاقة مثل الطاقة الشمسية.
وإعادة النظر في السياسة الكلية من خلال ضبط الإنفاق الحكومي وإعادة النظر في الإيرادات التي تأتي للدولة وأرباح الشركات، والسياسة النقدية لمصر يجب هيكلتها من جديد ووضع ضوابط للبنك المركزي يسير عليها وقيامه بدوره الصحيح، إلى جانب إلغاء حسابات الصناديق الخاصة، فلا يوجد في أي بلد في العالم ما يسمى الصناديق الخاصة التي يتحرك فيها سنويًا من 200 إلى 300 مليار جنيه.
> إلى أي مدى تساعد المشروعات الكبرى في بناء الاقتصاد؟
كان من الأفضل تأجيل مشروع قناة السويس الجديدة 3 سنوات قادمة والاستفادة من المبالغ التي جمعت لها في مشاريع أخرى تنموية يشعر بها المواطن المصري، ولن تجلب القناة الجديدة أي نتائج على معيشة المصريين إلا بعد 10 سنوات وليس قبل ذلك؛ لأن حالة التجارة الدولية في حالة ركود شديد، فالميزة الوحيدة لقناة السويس تعتبر تجارة جاذبة في محور قناة السويس، وعن الاستفادة منه في البطالة فلم يحقق كثيرًا فيعمل بها 50 ألف عامل.
> وكيف يمكن القضاء على البطالة؟
مصر بها 9 ملايين عاطل، ويمكن تقليل هذه النسبة من خلال مشروع المليون فدان مطلوب ومهم جدًا، ولكن ادارته خاطئة، فيجب أن ننفق على البنية التحتية من جانب الحكومة وإعطاء كل شاب من أبناء الصعيد 10 فدادين، خاصة أن أبناء الصعيد محرومون للغاية، فمليون فدان في حالة تقسيمهما إلى 10 فدادين لكل شاب سيؤدي إلى الانتهاء من بطالة 100 ألف شاب مصري، وفي حالة اصطحاب كل شاب إخوة أو أحد أقاربه، ويصل إلى وجود 3 أشخاص في الـــ 10 فدادين مايعنى توفير 300 ألف فرصة عمل.
> هل التبرعات الشعبية قادرة على بناء دولة حقيقية؟
على الإطلاق عمر ما كانت التبرعات تبني دولة مديونياتها بالتريليون، فصندوق تحيا مصر ليس قادرًا على بناء مصر وسداد ديونها.
> وماذا عن مستقبل الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة؟
لو تم الاستمرار على هذا النهج سنصبح مثل الأرجنتين عام 2009 عندما ثار المواطنون على البنوك لاسترداد مبالغهم، وإذا تم تغيير السياسة الاقتصادية بالكامل ستنهض مصر وتحاول سداد ديونها التي تتراكم كل يوم.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لملحق "فيتو"