رئيس التحرير
عصام كامل

«غول التضخم يلتهم مدخرات المصريين».. نصف المصريين يعيشون بدولار واحد.. تمويل المشروعات الصغيرة وتشجيع الاستثمار المباشر أبرز الحلول للخروج من «عنق الزجاجة»

الدولار الأمريكى
الدولار الأمريكى

تتطلع مصر إلى أداء اقتصادي مختلف، يجعل منها دولة قوية اقتصاديًا، لايعاني شعبها الفقر المدقع ولا شك أن الخروج من دائرة الفقر، يكرس مبدأ تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة ويكبح الفساد، ويصنع إرادة سياسية واقتصادية، تستغنى بها مصر عن المعونات ولا تخضع للتبعية أو وجود شبهة تأثير في قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث إن ما نشهده يدل على تراجع اقتصاد البلاد إلى منحدر مُعتم، ولكي تتحقق هذه الأهداف لا بد من مجموعة من المحاور التي تصلح لبلورة رؤية إصلاحية ينطلق منها الاقتصاد المصري.


وقد أشادت مؤسسة "فيتش" بالتقدم الحكومي في تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي، بجانب استمرار انخفاض معدلات الدين الخارجي للاقتصاد المصري مقارنة بالدول الأخرى ذات التقييم الائتماني المماثل لمصر، ولكنها قالت إنه رغم التحسن في النشاط الاقتصادي وتضاعف معدلات النمو في العام الماضي مقارنة بالعام السابق، فإن الاقتصاد المصري لم يستعد بعد معدلاته المرتفعة، ولا يزال معدل النمو أقل من الطاقة الكامنة ومن قدرة الاقتصاد على النمو، وبما يحقق معدلات التشغيل المرجوة، مرجعةً ذلك إلى كون تحركات الحكومة المصرية نحو إزالة معوقات الاستثمار وتوفير الطاقة اللازمة للمشروعات الجديدة يعد مؤشرا مهمًا نحو التقدم الاقتصادي؛ لأن انتهاء مصر من الاستحقاق الثالث في خارطة الطريق، وقرب انعقاد أولى جلسات البرلمان خطوة مهمة تدفع مؤشرات الاقتصاد للأمام في 2016، فالوضع الاقتصادي في مصر يبقى صعبًا، كما أن النمو توقف وهذا يسيء إلى الاقتصاد المصري وإلى الشعب المصري.

انهيار الجنيه رسميًا وارتفاع معدل التضخم

وفي سابقة تاريخية للبنك المركزي، أعلن طارق عامر، زيادة سعر الدولار في مصر بقيمة 112 قرشًا ليصل سعره 8.95 جنيهات بشكل رسمي، وذلك في خطوة من البنك لإنهاء السوق السوداء، للدولار في مصر، الأمر الذي يشير إلى أي مدى تراجع الاقتصاد المصري، حيث مر الجنيه المصري بالعديد من المطبات أمام الدولار، حيث ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري في 2015 ليسجل 7.78 جنيهات للشراء و7.83 جنيهات للبيع مقابل 7.15 جنيهات للشراء و7.18 جنيهات للبيع نهاية 2014.

وبلغت الاستثمارات والقروض التي حصلت عليها الحكومة المصرية خلال مؤتمر شرم الشيخ ما يقرب من 60 مليار دولار، فضلًا عن تعهدات بدعم خليجي قدره 12.5 مليار دولار، في حين وقعت اتفاقيات وعقود بقيمة 36.2 مليار دولار، ومشروعات ممولة من القطاع الخاص على سنوات طويلة بقيمة 18.6 مليار دولار، وقروض من الصناديق والمؤسسات الدولية بقيمة 5.2 مليارات دولار.

ومن جهته قال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية، إن ما دخل حيز التنفيذ من مشاريع واتفاقيات المؤتمر الاقتصادي المقام بشرم الشيخ، تكلفتها 70 مليار دولار، والتي تعتبر محدودة للغاية، والمتمثلة في إنشاء المحطات النووية بمشاركة روسية، بتوقيع الاتفاقية الحكومية بين مصر ممثلة في هيئة المحطات النووية، وروسيا ممثلة في شركة "روز أتوم" العاملة في مجال بناء المحطات النووية، والتي سيتم بمقتضاها بناء محطة الضبعة النووية.

واستكمل قائلًا: "إن المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد المصري في 2015 تشير إلى أزمة شديدة؛ فمصر سجلت مزيدًا من التراجعات في العديد من القطاعات الاقتصادية مؤخرًا، فاقم من تأثيراتها حادث تحطم الطائرة الروسية الذي ألقى بتداعيات سلبية على القطاع السياحي، الذي يعاني منذ قرابة خمس سنوات، فارتفع معدل البطالة الإجمالي، خلال الربع الثالث من العام الجاري، ليبلغ 12.8% من إجمالي قوة العمل، مقابل 12.7% خلال الربع الثاني من العام ذاته، ووصلت خسائر القطاع 2.2 مليار جنيه خسائر شهرية مباشرة جراء قرار بريطانيا وروسيا تعليق السفر لمصر بعد تحطم طائرة الركاب الروسية في شبه جزيرة سيناء.

وأشار رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية، إلى أن مصر حصلت على موافقات من البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية لدعم الموازنة المصرية بقروض ميسرة بقيمة إجمالية 4.5 مليارات دولار، بواقع 3 مليارات من البنك الدولي و1.5 مليار من التنمية الأفريقي، بخلاف تعهدات بزيادة المحافظ التمويلية المخصصة من المؤسستين على مدى السنوات الأربع المقبلة لتمويل المشروعات القومية، موضحًا أن الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة يعاني من حزمة من المشكلات المزمنة.

وأوضح أن تلك الحزم هي، عجز الموازنة العامة الذي يقدر بـ 9%، والدين العام الذي وصل إلى أكثر من 900 مليار جنيه مصري في شقه المحلي، ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي، فضلًا عن البطالة التي تأتي لتمثل واحدة من معضلات الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10% و15%، موضحًا أنه يرجع الجزء الأكبر منها لنظم التعليم التي لا تربطها بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب سنويًا بما بين 700 ألف و750 ألف وظيفة.

وأضاف أن الموازنة المصرية توصف بأنها موازنة استهلاكية تصرف معظم بنودها على النفقات الجارية، وتقل فيها الاستثمارات العامة؛ بسبب التوجه الحكومي بعدم الدخول في استثمارات عامة جديدة، باستثناء بعض المخصصات للمرافق العامة، كما تمثل الإيرادات الضريبية عدم عدالة السياسة الضريبية المتبعة خلال الفترة الماضية، حيث يدفع الموظفون نحو 9.5 مليارات دولار، والنشاط التجاري والصناعي قرابة 4.5 مليارات، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2009/ 2010 نحو 1.2 ألف مليار جنيه، ووصل معدل النمو الاقتصادي لنفس العام 5.1%.

وأشار«عامر» إلى أن تأثير الوضع في مصر امتد إلى بورصات المنطقة التي سجلت في الأيام القليلة الماضية هبوطًا كبيرًا، وبدرجة أقل في البورصات الأوروبية والآسيوية والأمريكية، ففي الساعات الأولى من التداول بالبورصة الأمريكية انخفضت المؤشرات الثلاثة انخفاضًا طفيفًا، وعزا محللون أسبابه إلى ما يجري في مصر، فالجهاز المصرفي الذي يضم ودائع تبلغ أكثر من 900 مليار جنيه، ويبحث عن مصادر لتوظيف نحو 48% منها ولا يجد، عليه أن يتجه لتمويل مشروعات إنتاجية مدروسة بشكل صحيح، وأن يقلل من سياسته الحالية المعتمدة على التجزئة المصرفية، فضلًا عن الابتعاد عن الائتمان السياسي واسترداد قروض رجال الأعمال الذين حرصوا على عدم السداد، أو السداد من خلال تدوير القروض، وتهريب أموالهم للخارج.
الجريدة الرسمية