رئيس التحرير
عصام كامل

عبدالعزيز إسحق.. الصقر الغامض وعملية سرية أسطورية!


كانت الدعوة الكريمة من السيد أحمد سليم، مدير الإدارة المركزية للاتصال السياسي بوزارة الإعلام مختصرة جدا.. "إعلاميون أفارقة يتدربون في معهد الإعلام التابع للوزارة ونريدك أن تحدثهم عن مصر وأفريقيا وحروب الجيل الرابع".. على الفور تحدد الموعد وفي المحاضرة - وقد نعود إليها بمقالات أخرى - شاهدت الدهشة على عيون الأصدقاء الأفارقة، غير مصدقين وهم يسمعون القصة الأسطورية التالية:


بعد نضال طويل حصلت الكونغو على استقلالها.. باتريس لوميمبا هو أول رئيس وزراء للكونغو والتي كان اسمها وقتئذ زائير.. وفي الاحتفال الكبير لإعلان استقلالها عن بلجيكا وقف رئيس الوزراء البلجيكي ليتكلم في الاحتفال.. يقف لوميمبا ويقول إن كلمته غير موجودة في برنامج الحفل.. يتكهرب الجو وتسخن حرارة المكان المفتوح ويتقدم ملك بلجيكا وفي غطرسه يخطب ويقول:

"مات أبناؤنا من أجل تعليم وتقدم هذا البلد..."، يخطب لدقائق وقبل أن ينتهي لا يستطيع الثائر الشاب أن يصمت أمام ما اعتبره إهانة لوطنه فيتقدم ويخطب ويقول: "لقد استعبدتمونا وسرقتم ثرواتنا ونهبتم خيراتنا وقتلتم أبناء شعبنا.."، وقبل أن يكمل يغادر البلجيكيون المكان ويصدر الأمر بقتل الثائر الأفريقي الشاب.. هرب لوميمبا في غابات وأقاليم الكونغو، ومن إقليم إلى آخر يلتقي أنصاره وبدلا من التخفي والهرب يقف ليخطب ويحرضهم على استكمال الاستقلال.. ولمعاونه أمريكية لعدد من رفقاء لوميمبا القدامى يسقط في أيدي القوات البلجيكية ويدرك الجميع أن تنفيذ حكم الإعدام قادم لا محالة!.

على الجانب الآخر، لم يدرك الحرس الذي يحاصر بيت لوميمبا وفيه زوجته وأطفاله الأربعة أن الأبناء تم تهريبهم من البيت بعملية سرية لا يعرف تفاصيلها أحد، كل ما اعتقدوه أن الأطفال لا يخرجون للحديقة حزنا على أبيهم.. وبينما يذهبون بلوميمبا إلى إحدى الغابات ومعه رفاقه المعتقلون لتنفيذ حكم الإعدام فيهم رميا بالرصاص كان عبدالعزيز إسحق، المواطن المصري، صديق لوميمبا، يقدم لضباط مطار كينشاسا جواز سفره المزور، وفيه ما يثبت أن زوجته كونغولية وعلى جواز السفر أثبت إسحق أبناء لوميمبا الأربعة باعتبارهم أبناءه!.

في المطار، يستوقفه الضابط المسئول ويصرخ غير مصدق أن هؤلاء الأطفال في الجواز هم أبناء هذا الرجل الأبيض ويطالب برؤيتهم مباشرة ويرفض إسحق مؤكدا أنهم نائمون ولا يمكنه إيقاظهم وكان الأمر بطبيعة الحال متفقا عليه مع الأطفال وتمثيل النوم وما لا يعرفه الضابط أن عبدالعزيز إسحق لم يكن وحده بل يظهر على الفور العقيد - وقتها - سعد الدين الشاذلي، قائد القوات المصرية المشاركة في قوات الأمم المتحده بالكونغو والذي جاءته التعليمات بضرورة تهريب أبناء لوميمبا بأي طريقه وأي ثمن، وفي هذه اللحظات يشاهد ضابط الجوازات عددا من ضباط الجيش المصري يدعمون موقف إسحق، مما يضطره إلى القبول بسفرهم في حين كان رجال سعد الدين الشاذلي من قوات الصاعقه على أهبة التحرك!.

غادرت الطائره المطار ومنه إلى البرتغال، ومنها إلى سويسرا ومنها إلى مصر، وتستقبل مصر أبناء الثائر الشهيد ويقيمون فيها ويدرسون في مدارسها ويتعلمون العربية ويصبحون أصدقاء لأبناء جمال عبدالناصر، يلعبون معا ويذاكرون معا ويذهبون للمصيف بالإسكندرية معا، ويتابع أحوالهم عبدالناصر بنفسه ودروسهم وأخبارهم بتفاصيلها ويكبرون ويعودون إلى بلادهم، ويصبح الأول رئيسا للحزب الحاكم، ويصبح الثاني وزيرا للإعلام في بلاده ولا يمكنهم بأي حال نسيان فضل مصر ورئيسها وشعبها!.

أما عبدالعزيز إسحق فلا نعرف من هو ولا أين هو ولا أين يعمل ولا أين ذهب ولا متى وصله جواز السفر المزور ولا من أين جاء بالزوجه "المزيفة"، ولا كيف أتقنت الدور ولا كيف وصل إليهم سعد الدين الشاذلي، وكانت قواته في أقصى البلاد في مهمتها الدولية ولا ما هي الخطة البديلة.. كل ما نعرفه أن مصر عظيمة وعظيمة جدا، وكان يحكمها حاكم عظيم حب الأفارقه له طبيعي ومنطقي، كان وفيا لأصدقائه وساعد أفريقيا على التحرر واحتواها وحافظ على الأمن القومي لمصر بكل الوسائل حتى الإنساني منها!.

الجريدة الرسمية