رئيس التحرير
عصام كامل

محطات «الدس» الفضائي.. عصابة الإعلام


من الواضح أن هناك مشكلة، تنمو لتبلغ مرتبة الأزمة في العلاقة بين ما يسمى بالإعلام المصري والدولة المصرية، أو بالتحديد فيما بين هذا النوع من الإعلام، والرئيس عبدالفتاح السيسي وأجهزة الدولة، ومن خلفهم جموع ثورة الثلاثين من يونيو. ومن الحق أن نطرح القضية بمنهج علمي لنفترض في البداية الفرض الواجب النقاش، لنصل بعدها إلى النتيجة، عبر فحص الوجوه والرسائل ومنصات إطلاق الرسائل، المسماة محطات"الدس" الفضائي.


الفرضية الأولى تقول: يوجد إعلام لكن لا توجد سياسة إعلامية. أما الإعلام فهو خاص بزمرة متفقة على هدف واحد، صمتا أو عملا، أو مسايرة، أو تنفيذا، منذ بدأت أول عملية ممنهجة لتثوير وتأليب، وتسخيط الرأي العام، بعد ثلاث سنوات تقريبا من ظهور جمال مبارك في المشهد السياسي المصري، وبالذات بعد العام ٢٠٠٥، وهو ما أدى إلى فوضى٢٥ يناير، وما أعقبها، ولا يزال يعقبها من كوارث أمنية واقتصادية واجتماعية، ليس أخطرها فحسب مساندة ودعم هذه الزمرة بلا هوادة لمحمد مرسي للوصول إلى حكم مصر، نكاية ورفضا لأي مصري شريف، بريء، خدم الدولة المصرية، فاعتبروه ممن خدم مبارك، ومن رجاله!.

مع الوقت، ظهرت النوايا الحقيقية لفكر الإخوان وهي الإقصاء والتخوين، ومن ثم علقت المشانق في ميادين التحرير والنهضة ورابعة والمطرية، لإعلاميين كثيرين أدلوا بأصواتهم لمرسي والتقوا بديع فرحين فرحة لقائهم بأبطال منتصرين.

بعد تعليق المشانق للزمرة، انقلبوا عليهم، وكما استثمروا السخط الشعبي الكامن ضد الفساد الكبير لعدد من رجال الأعمال ومسئولين في عصر الرئيس مبارك، من داخل الحزب، في امانته، ومن خارجه،وفي المحليات، وهو ما حذرنا منه وقتها في جريدة الحزب ذاته، ويمكن الرجوع إليها، مضوا يديرون الآلة ثانية ضد الإخوان، مع أن الشعب في مجمله كان جاهزا للثورة على حكم الإرهاب، ومن ثم ركب هؤلاء الإعلاميون مشاعر الناس للنجاة بأعناقهم، وهو فعل مساو تماما لفعل الإخوان في سرقة ٢٥ يناير!.

ولما جاء الرئيس عدلي منصور، نجا من التأليب، ومن التسخيط، وتمتع بمساندة إعلامية، في مواجهة خذلان نخب منسوبة إلى أمريكا، ممن يسمون النشطاء النطعاء.

ومع تعاظم الغضب الشعبي في صدور ثلاثين مليون مصري، ورسائل التطمين والحنان من الجيش المصري، وبزوغ رجولة الفريق فالمشير عبد الفتاح السيسي، وجد نفس الوجوه، نفس الحناجر، على نفس المنصات، ضالتها، في ممارسة نفس اللعبة، التأييد، ثم التقريع، ثم التسميم، ثم الإدانة، بهدف تحريض الناس على ممارسة احتجاجات تشتت فكر من يقود، وتضعه طول الوقت في موقف المدافع، المفسر، المبرر، المتهافت على إرضائهم، حتى يفقد أعصابه في النهاية ويتلفظ بما لم يرغب، أو يتصرف بما يضر! وعندئذ ينقضون عليه ويمثلون به تمثيلا.

وهذا بالضبط ما يعاني منه الرئيس عبدالفتاح السيسي. لقد جعلوه رهينة أجنداتهم النفسية، والفكرية، والسياسية، ومضوا إلى أمر غير مسبوق في علاقة دولة بقطاع إعلامي فيها خارج عليها، مكتفيا برؤاه أو رؤى الغير، عدو لنا من الداخل.

لقد جعلوا من أنفسهم المقياس الذي تقاس عليه، نجاحا أو فشلا، كل قرارات أو تصرفات الدولة ورئيسها، فإن أتى بما اتفق مع مقاييسهم الموضوعة فيهم، أو التي لهم، شجعوا وهتفوا، وان خالفت مافيهم من خبث، وفقر ثقافة، وتشبث بزعامة امام الكاميرات، انقلبوا عليه، وجاءوا له بمن يفتت الكتلة المحبة الواثقة في دولتها، لينفث السموم، ويحرض الناس، ويشتتهم، ويبدد الثقة (أزمة تيران، ودور المذيع الفظيع، والسياسي الجاهل.. نموذجا).

لماذا انقلبوا على السيسي؟.

لأنه لا يوجد إعلام للدولة، وليس للحاكم، وهذا ضمن أسباب كثيرة، سنوردها لاحقا، لكن لا بد من أن نجد تفسيرا جامعا مانعا لما يفعلونه بهذه الدرجة المتكررة وبنفس النموذج، ولحساب من؟.

يعملون لحساب الدور المكتسب الذي حصلوا عليه طيلة عشر سنوات وأكثر، حققوا فيها نقلة مالية أخلت بثبات الوجدان وصنعت في ادمغة بعضهم ورما صلبا اسمه العناد، "وأنا الحق وغيري الباطل وعليهم أن يسمعوا مني وأن يتعلموا".. منهم من كان دخل مؤسسة صحفية بالشرز والشبشب، والآن، تلمع بمعصمه أرقي ماركات الرولكس ويفشي في الناس الغم والهم كل ليلة!.

لقد ثبتت لهم فعالية التجربة والطريقة.. خلق النقمة وعدم الثقة، والتحريض، نشر دواعي الفوضى، ثم محاصرة مخ الحاكم، وإضعاف أجهزته وتشتيتها ببث الشائعات، ثم خروج الحاكم، أو طرده، ثم مجئ آخر، يتوددون اليه، يبدي استقلالا، ينقلبون عليه!

هذا بالضبط ما يسمى في دراسات الإعلام بالنموذج أو الـPattern.

ومن المؤكد أن أي دارس للاجتماع السياسي، يمكنه ملاحظة هذا النمط الذي ثبت اختباره ونجاحه.

المشكلة الآن أن الحاكم الذين يريدون ارتهان عقله وخطواته فهم جيدا هذه الطريقة، وانفضحت، بفعل الرصد ولصبر والدراسة.

وهم بدورهم فهموا أن الرئيس فهمهم وكشفهم، والشعب فهمهم وكشفهم، لكن لا أحد مسئولا يريد اتخاذ القرار بإعادة التأهيل الوطني لنفر من الزمرة،يلحقون الأذي البالغ بوطن يحارب، فإذا بهم يحاربونه، جنبا إلى جنب مع أعدائه.

سيظل الرئيس السيسي يشكو طول الوقت لأنه ترك أخطر أسلحة اية دولة في أيدي زمرة تعتبر نفسها وصية عليه وعلي الدولة، حقا مكتسبا!.

اصنع إعلامك.. وانشر الحقيقة، حرا، وطنيا محاربا من أجل مصر، وليس ضدها!.

الجريدة الرسمية