خطاب السيسي.. الرسائل الخفية والخطيرة بين السطور!
كالعادة.. يتكلم السيسي فيقول خطابين.. الأول هو ما يقوله نصا والثاني هو ما يقوله بين السطور.. الأول سمعه المصريون والعالم، والثاني سنقوله لكم ونبدأ أولا بالملاحظات الشكلية عن لقاء أمس، حيث يبدو جليا الالتزام بالبروتوكول في ترتيب جلوس الحضور حيث تم تقديم نواب الشعب حتى لو كانوا الأصغر سنا ومعهم تمثيل لكافة الموجودين من رؤساء التحرير ونقابيين وكتاب كبار وشخصيات عامة، وجلس السيد محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد رئيس الوزراء ووزير الداخلية وهي إشارة مهمة لتقدير كبير لدور وشخص محمد فايق وزير الإعلام الأسبق في عهد جمال عبد الناصر والمسئول وقتها عن ملف أفريقيا!
الملاحظة الشكلية الأخري، أن الرئيس لم يتكلم في تفصيلات فنية طويلة تخص موضوع الجزيرتين صنافير وتيران والسبب كلمات أخرى سبقت كلمة السيسي لعدد من المسئولين وبالتالي لم يرد السيسي أن يكرر ما قيل وللأسف لم يذع التليفزيون الكلمات السابقة للسيسي!
الرئيس السيسي غاضب جدا من الإعلام فلأول مرة نجد الرئيس السيسي -أو حتى أي رئيس- يستضيف رموزا للنخبة ثم يقول لهم علنا وحرفيا "أنا لا أتكلم للنخب أبدا إنما أخاطب دائما الشعب المصري والرجل البسيط" ومن أجل ذلك كان ضرب المثل بوصايا ونصائح السيدة والدته له لتقريب الصورة لرجل الشارع المعني أصلا بالخطاب كما قال السيسي بنفسه وليس الحضور الذي في القاعة بل قال لهم بعدها بقليل: أنتم "تسيئوا هكذا لأنفسكم" و"ده أنتوا حاجة صعبة أوي "! ويختتم اللقاء بإعادة تذكيرهم بعدد من الإنجازات التي يتجاهلونها تماما!
ولأول مرة يؤكد السيسي أن القرارات المهمة تشارك فيها أجهزة الدولة ومؤسساتها المهمة ولأول مرة نجده أيضا ينفي السيسي أي شبهات لأي عراقيل قام بها الجيش وبالتالي أجهزة أخرى مهمة في إفشال مرسي ونظام الإخوان ولأول مرة يعلن السيسي أن حوارا جرى حول هويته قبل تعينه وزيرا لدفاع!
الرئيس السيسي في رسائله أيضا يدين بشكل حاسم نظام الرئيس مبارك حيث يقول حرفيا عن تغيرات المجتمع المصري إنها "لم تكن وليدة الخمس سنوات الماضية فقط إنما أبعد من ذلك بسنوات طويلة" ثم يؤكد ذلك عدة مرات بعدها بقليل، مرة حين قال "مجتمع ظل لمدة أربعين عاما يترك من يعبث به وبوعيه وبقيمه ثم تأخذه إلى اتجاه آخر "وبعدها يقول" كان لدينا انهيار في البنية التحتية من مطارات وكباري وأنفاق وموانئ" وبعدها يقول "نعرف تماما حجم المأساة والمعاناة مع المحليات السنوات السابقة"!
لم يفت على السيسي أن يبرر الاستعانة بالدكتور مفيد شهاب فيقول "وتم الاستعانة بكل من كانت له صلة بالموضوع ولا زال على قيد الحياة" ولم يفته تقديم العزاء لأسرة ريجيني الإيطالي ولم يفته أيضا " الربط بين الإيطالي والمصري المختفي أيضا"!
ورغم الإدانة التي وجهها لمن اتهموا الأجهزة المصرية بقتل ريجيني واتهامهم أنهم ساهموا فيما جري من تطورات سلبية في القضية بل وأضاف "ما تفصلوش ده عن ده " قاصدا التآمر على مصر وربطها بمواقف البعض كما بدا إلمام السيسي بحروب الجيل الرابع وبعض تفاصيلها وسلوك أصحابها في الداخل والخارج وإدراكه لما يحاك ليس ضد مصر فحسب وإنما أيضا ضد الأمة العربية كلها!!
السيسي أعاد تأكيده مرتين على احترامه لمجلس الشعب مرة حينما أكد أن المجلس من حقه أن يراجع اتفاقية الترسيم مع السعودية ومن حقه تشكيل اللجان ومناقشتها بل ورفض الاتفاقية إن أراد ثم عاد وطالب بالتوقف عن الهجوم على المجلس رغم إيجابياته المهمة من التمثيل الكبير للمرأة وللشباب!
السيسي أيضا يقطع الطريق على أي مطالب بالتحكيم مع السعودية إذ يؤكد أن القرار الجمهوري بتسليم الجزر للسعودية قامت الدوله بتسليم نسخة منه للأمم المتحدة وهو ما يشكل اعترافا صريحا من مصر بحق السعودية مما يجعل التحكيم مسألة شبه مستحيلة والسيسي يؤكد أنه طلب ملف الجزيرتين منذ يونيو 2014 أي بعد أيام من تسلمه السلطة!
وكما بدأنا بالملاحظات الشكلية نختم بها حيث اهتم نشطاء الشر بمقاطعة الرئيس لأحد النواب لذي طلب الكلمة في حين تجاهلوا تماما أربعة مقاطعات أخرى تقبلها السيسي ورد عليها ضاحكا بل وقاطع من أراد التصفيق له، ورغم أن السيسي مدح إيطاليا، فحتى كتابة هذا المقال لم نر خبرا أو تعليقا واحدا يبرز مدح الرئيس لإيطاليا وموقفها من مصر، مما يؤكد هيمنة إعلام الشر على شبكات التواصل الاجتماعي وما ينتقل منها إلى الإعلام المصري!!
السطور السابقة حاولنا فيها رصد خطاب السيسي الآخر الذي قاله من دون أن يقوله أيضا!