رئيس التحرير
عصام كامل

شعاع أمل وسط العتمة


بين أطراف أصابعك دائما ما يكون الأمل دون أن تراه، ربما تضع أصبعك في عينيك فلا تراه، وربما لديك "بعد نظر" فلا تري القريب منك، شيء ما يحول دون أن نرى الأمل يجري بين ربوعنا، بين قرانا وحوارينا، تشغلنا قضايا القتل عن قضايا الميلاد، والموتي في مصر أقل بكثير من هؤلاء الذين يطلون على دنيانا يوميا غير أننا نذوب في المشاهد الجنائزية، في مصر شرفاء كثيرون، غير أننا ندمن الحديث عن اللصوص، الصور المعروضة أمامنا كل مساء.. قاتمة.. سوداء.. لا نور فيها.


قصة علاج فيروس سى في مصر واحدة من روايات الإرادة المصرية، واحدة من حكايات المصرى الفولاذى الذي يتحدى الصعب ويمتطى التحدى ويقدم نموذجا فريدا، في مصر نعالج مليون مريض بفيروس سي سنويا، في أمريكا يعالجون ٢٠٠ ألف مريض فقط، في مصر جرعة الدواء كاملة تصل إلى ٨٠٠ جنيه، في السعودية تقفز إلى ٩٠٠ ألف جنيه، في مصر ينتهى المرض في ٢٠٢٠ م بينما نساهم في القضاء عليه بأفريقيا في ٢٠٢٥، وينتهى في العالم ٢٠٣٠م !!

الدكتور شيرين حسن عباس حلمي - نائب رئيس مجلس إدارة إحدى شركاتنا الوطنية في صناعة الدواء، وهي في ذات الوقت واحدة من أكبر ثلاث شركات في العالم تصنع علاج فيروس سى- هو واحد من قصص النور في بلادنا، خاض حربا ضارية في معركة القضاء على الفيروس، أنتج في العام الماضى ٣٠٠ ألف عبوة عالجت ٥٠ ألف مواطن مصرى، يتعاون مع القوات المسلحة ليصل العلاج عبر صندوق «تحيا مصر» إلى البسطاء من أبنائنا.

شركات صناعة هذا الدواء عالميا تحتكر التكنولوجيا، وحقوق الملكية الفكرية كانت عائقا أمام إنتاج دواء يصبح في متناول الجميع، استعان الدكتور شيرين بخبرات إيطالية لتصنيع مادة خام ناجحة، تمكنوا منها، حصلوا على براءة اختراع من مصر، بدأوا الإنتاج، في البداية كان إنتاج الكيلو جرام منها قد وصلت تكلفته إلى مليون دولار، بكثير من التكنولوجي، انخفضت إلى ١٠٠ ألف دولار، بكثير من التركيز والخبرات والتجارب وصل إلى ٣٥٠٠ دولار.

كان السوق العالمى قد فرض سعرا على الدواء واستوردته مصر بـ ٩٩٠٠ دولار، وخضنا معركة كبيرة لنصل إلى ٢٠٠ دولار دون جدوى، جولات مكوكية من المصريين الشرفاء إلى منظمة الصحة العالمية، استطعنا خلالها أن نحصل على اعتراف بأن "سي" من الأمراض التي تعالجها جهات عالمية مثل الإيدز والملاريا وغيرهما، لنحصل بذلك على الدعم العالمي لمواجهة وحش الكبد المرعب.

ألف جنيه ثمن الجرعة كاملة الآن ليصل في العام القادم إلى ٨٠٠ جنيه.. أليس ذلك أملا يولد على أرض مصر، أملا في الحياة، أملا وسط كومة من قتامة نصنعها يوميا كوجبة نقدمها للناس، أليس هذا الرجل مواطنا مصريا ينظر إلى الأمور بشكل مغاير، مواطن قام بما هو أبعد من دوره، رأى أهله وناسه يموتون ضحايا احتكار التكنولوجيا، فحطم الأصنام وكسر القيود وعبر بنا إلى مساحات رحبة من الحب.

وما فعله ويفعله الدكتور شيرين ليس جديدا على أسرته، فوالده الدكتور حسن عباس حلمى آمن بضرورة أن تمتلك مصر أسباب التقدم والتطور العلمى، فكان لقاؤه بالدكتور أحمد زويل في يوليو من عام ٢٠١١ م، حينما فاجأ الجميع بتبرعه بـ ٢٥٠ مليون جنيه للمشروع العلمى الطموح في جامعة زويل.
الجريدة الرسمية