رئيس التحرير
عصام كامل

ما هكذا تورد الإبل يا حكومة


تتحفنا الحكومة بتصرفات تنم عن لا مبالاة وتجاهل تام لعواقب قد تسفر عنها قراراتها وتصرفاتها المفاجئة، ما يجعلنا نترحم على حكومة المهندس إبراهيم محلب، الذي كان يواكب بنفسه كل كبيرة وصغيرة ويوجد في موقع الحدث ويتواصل مع الإعلام خلافًا لرئيس الحكومة الحالي.


هذه المقدمة ضرورية لأن البلبلة الشعبية والأزمة الإعلامية المتصاعدة حاليًا بشأن جزيرتي "تيران وصنافير" تتحملها أولا وأخيرًا الحكومة، التي فاجأت الشعب بأمر انتهاء ترسيم الحدود البحرية والتوقيع على نقل ملكية الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، ما يعني أنه أنه بات واقعًا نافذًا وقضي الأمر.

حكومتنا الرشيدة التي تعمل بطريقة الصدمات والأمر الواقع لم تستفد من دروس الماضي، ولم تدرك أنها تضع نفسها ومصر وشعبية الرئيس السيسي على المحك في مواجهة المحبين والكارهين على حد سواء.. فماذا حدث؟!

تركت مصر إنجازات الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والتي بلغت نحو 25 مليار دولار، من شأنها إنعاش اقتصادنا المتهالك، وشرعت النوافذ والأبواب على مصراعيها لمناقشة أمر الجزيرتين، فما كان من "الإعلام" إلا أن تلقف الأمر وأدلى كل بدلوه، ولم يعد من حديث للبرامج إلا قضية الجزر، والغريب أن الضيوف والمحللين انقسموا فريقين أحدهما يؤيد القرار لأن الجزر سعودية والحق عاد إلى أصحابه بعد عشرات السنين، ويؤكد كلامه بأدلة ووثائق لا تقبل التشكيك..

والطرف الثاني رافض القرار ويدعم معارضته بوثائق ومستندات مثبتة كذلك، وبين هذا وذاك انتهز رواد مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة الثمينة، لشغل وقت الفراغ في الأخذ والرد والسخرية والتهكم والشتم وإطلاق وسوم مسيئة لرمز الدولة.

وفي موقع آخر اقتنص "الإخوان" وأعداء الدولة الصيد الثمين مستشهدين بفيديو لعدوهم اللدود الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يؤكد فيه أن الجزر مصرية ولن يسمح لأحد بالاقتراب منها، ليرد عليهم طرف مؤيد للقرار بأن الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل وهو حليف عبدالناصر وذراعه الإعلامية ذكر قبل 28 عامًا في كتابه "حرب الثلاثين سنة- سنوات الغليان"، وتحديدًا في صفحة 91 "أن تيران وصنافير وضعتا تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض، لكنهما ملك السعودية".. ويبرز وسط كل تلك الآراء تأييد محمد البرادعي وعمرو حمزاوي للقرار المصري وتأكيد ملكية السعودية للجزيرتين وتضمين تأييدهما وثائق وحقائق رغم أنهما من أبرز معارضي حكم الرئيس السيسي.

بين آلاف الآراء ومئات الخرائط والوثائق والصور والفيديوهات تاه الشعب المصري وتشتت، ولم يعد يدري أيها يصدق وإلى من ينحاز، ورغم ذلك التزمت الحكومة الصمت وكأنها ليست المتسببة في حالة الغليان تلك أو أن الأمر لا يعنيها.. ونتيجة لكل ذلك، برزت مجموعة من دعاة الفوضى والعودة إلى الشارع تدعو إلى التظاهر يوم الجمعة ضد قرار الرئيس بإعادة الجزيرتين للسعودية وأطلقوا عليها "جمعة الأرض هي العرض"، وقبل أن تتطور الأمور أكثر من ذلك ويحدث ما لا يحمد عقباه، يجب أن يوضح الرئيس السيسي حقيقة ما حدث ويتدارك أخطاء الحكومة، التي كان عليها التمهيد للأمر قبل أشهر من التوقيع بإعداد ملف تاريخي وجغرافي واقتصادي وسياسي يفسر كل ما له ارتباط بالجزيرتين وتطورات ترسيم الحدود المائية، حتى تقي البلد من شر الأزمة الحاصلة.

نؤمن جميعًا أن المؤسسة العسكرية ومعها الرئيس السيسي لا يمكن أن يفرطوا في حبة رمل واحدة من أرض الوطن، ومؤكدا أن هناك أسبابا وراء ما حدث قد يكون منها خنق إسرائيل بحريًا، ردًا على دعمها "سد النهضة" وتحريضها إثيوبيا علينا، وقد يكون من الأسباب التنصل من بعض بنود معاهدة "كامب ديفيد" التي تجعل تلك المنطقة منزوعة السلاح، واحتمالات كثيرة أخرى، لكن أيًا كانت الأسباب يجب على الرئيس السيسي توضيح الأمر للشعب؛ لأن الحكومة لا تعرف كيف تورد الإبل.
الجريدة الرسمية