الإخوان والحكم
حين يختلف الشعــــار المعــــلن والأدبيات المكتوبة عــــن التطبيق الحقيقــى، فلا تركن إلى الشعار ولا تأخذ من الأدبيات والأقوال، ولكـــن انظر إلــــى الأفعال، حينها ستعرف ما الحقيقة، فحين تتدحرج كرة الثلج من فوق الجبل تكون فى بدايتها هـــى الكرة الحقيقية ولكنها مع تدحرجها تتحول إلى شىء آخر، كذلك كرة الإخوان تتدحرج لإقامة دولــــة الإسلام، ثم تتحول هـــــى بذاتها بعــد ذلك إلـــى الإسلام ذاته..
وفـــــى سبيل الإخوان، الإسلام، تهون الهنَّات، والقاعدة الفقهية التى تقول: الضــــرورات تبيـــــح المحظــورات، والتى من معانيها أن المفسدة فى بعض الأحيان لازمة لتحقيق المصلحة الراجحة، وما حُرِّم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة، والحرام لذاته تبيحه الضرورة، والحرام لغيره تبيحه الحاجة أو المصلحة الراجحة، هذه القاعدة الفقهية تتحول على يد الإخوان وهم يوازنون بين المصالح والمفاسد إلى الغاية تبرر الوسيلة، لــــــذلك مـــــن يـريد أن يفهم أفكــــار الإخوان السياسية فعليه أن يدرس هذه القاعدة جيدًا؛ ليعرف كيف يفكر الإخوان.
الانحراف بهذه القاعدة الفقهية إلى "الغاية تبرر الوسيلة" هو الذى يقودنا إلى ذلك الكهف السرى القابع فى دهاليز جماعة الإخوان، آن الأوان للكشف عن هذا الكهف، ولينظر من لا يصدق إلى أوراق التاريخ، كان الملك فؤاد فى تقدير الإخوان مفسدة صغرى ولكنه كان عند الإخوان مفسدة ستتحقق من خلالها مصلحة راجحة هى تمكين الإخوان، وعلــــــى ذات النسق كانت علاقتهم بالملك فــــاروق وإسماعيل صدقى والإنجليز والضباط الأحرار وعبدالناصر والسادات ومبارك، فإذا أثبتت الأيام عندهم أن هذه المصلحة الراجحة مشكوك فى تحقيقها من خلال هذه الوسيلة، أو أن الوسيلة استنفدت أغراضها، فلا مانع من تغييرها أو التخلص منها.
قبل ثورة يناير كانت الضغوط الأمنية تتوالى على الإخوان، لم يكن الأمن المباركى فى أى وقت يستهدف القضاء على الجماعة، ولكنه كان يستهدف إضعافها فقط، وكان الإخوان يفكرون فى وسيلة يخففون فيها من سطوة هذه الضغوط، وكان من ضمن أوراقهم وقتها التلويح بورقة البرادعى، ليس حبًا فى البرادعى ولا اقتناعًا به، ولكنهم رأوا أن البرادعى يمثل مصدر قلق لمبارك ونجله، وقد يكون تلويحهم بهذه الورقة مفضيًا إلى فائدة إخوانية كبرى؛ لأن النظام القلق وقتها قد يضطر إلى مهادنة الإخوان والتفاوض معهم حتى يتخلوا عن البرادعى.
بعد الثورة أصبحت هذه الورقة لا فائدة منها فقد استنفدت أغراضها بقيام الثورة لذلك ينبغى للجماعة أن تبحث عن وسيلة أجدى حتى ولو كانت فى فهمهم " مفسدة"، لذلك نظروا للثورة قبل أن تقوم على أنها مفسدة كبرى من الممكن أن تفسد غايتهم فوقفوا ضدها، ولم يشتركوا فيها فى الأيام الأولى، وبعد أن ترجح لديهم أنها ستنجح اشتركوا فيها وركبوها، وتحولت إلى مفسدة تتحقق من خلالها مصلحة راجحة هى تمكين الإخوان من الحكم، وبنفس الطريقة كان موقفهم من المجلس العسكرى، وهكذا هى نظرة الإخوان بالنسبة إلى كل تحالفاتهم.