رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين البكيني والنقاب (1)


من العنوان وثقافة كاتب هذه السطور بالتأكيد تتوقعون رأيي.. ولمن لا يعلم أنا مسيحي وقيادي بأكبر الأحزاب الليبرالية بمصر وعضو مجلس إدارة جمعية الشبان المسيحية ورئيس الحملة الرسمية الانتخابية للرئيس السيسي بالإسكندرية، والتي تعد المدينة الكوزموبوليتانية الأشهر وعادة أقضي إنجازاتي السنوية في أوروبا وأتعامل مع الطبقات الأعلى اجتماعيًا من خلال عملي.


ولكني لي رأي مختلف عما توقعتم لأَني أرى خارج الدائرة الضيقة من أسرتي ومعارفي ومصلحتي الشخصية وأنظر للمجتمع نظرة مختلفة نحو بنيانه ولأننا اختزلنا أحلامنا وأمانينا وطموحاتنا نحو الوطن فيما لا يزيد أو يفيد الحضارة البشرية فما بين الدعوة لتجريم النقاب إلى تحريم البكيني فإننا نحيا ديكتاتورية الأقوى بكل معانيها منذ ٢٥ يناير وأصبح محور خلافنا في كيفية فرض نموذج ملبس للمرأة ! ونحن ننفذ ما رفضناه من التيار الديني نحو المجتمع.. بل أصبحنا مثله وبعد ثورتين اتضحت ضحالة أفكارنا فنحن حقًا لا نؤمن بالحريات والتعايش في وطن واحد ولا نهتم بها ونؤكد دومًا أننا نستحق العبودية بكل معانيها.

نشعر أن قمة إنجازاتنا هو امرأة بلا حجاب في البرلمان أو الوزارة كما أن قمة إنجازاتهم حجاب ونقاب وإن كان هذا حق المرأة الكامل ولكنه ليس ميزة مضافة سواء ارتدته أم لا، فالأهم هو العمل على تحرير فكر المرأة المصرية من القيود المجتمعية والثقافات البالية التي تواجهها في المجتمع المصري ومن أبسطها حريتها فيما ترتديه وما تقرره في مظهرها وللأسف فإن النقاب والحجاب فرض كشكل اجتماعي في المناطق الشعبية من خلال القوى الأصولية المتشعبة في الشوارع والمدارس والجهات الحكومية وهذه هي الظاهرة المفروضة منا...

إن الخطر الحقيقي أن النقاب فقد مضمونه الديني الحقيقي كما فقدت أشياء كثيرة في مصر مضمونها وأصبحت مجرد شكل أو مظهر ونحن نتحدث عن حرية الملبس ولن نتطرق في الحقوق الأخرى في العمل والمساواة وحرية الاعتقاد والفكر وكل ما سبق هو جزء من مواثيق حقوق الإنسان الدولية والتي ضمنها الدستور بل تعد من المبادئ فوق الدستورية التي تحترمها الدول التي تحترم آدمية مواطنيها.

وهناك خط فاصل بين المتطلبات الأمنية في حربنا ضد الإرهاب والتي قد يعوقها النقاب كحيلة للتخفي وبين حرية المواطن ويجب وضع ضوابط وعدم خلط الأمور بطريقة قد تفهم بمعاداة المعتقدات الدينية، وهو ما يروجه أعداء ثورة ٣٠ يونيو، لذا يجب أن نفتخر بأن رئيسنا متدين ولم يدفع زوجته لخلع الحجاب حينما كان ملحقًا عسكريًا في أوروبا وهو ما يدل على التزامه الأخلاقي ولا يتخذ من الحجاب مجرد شكل اجتماعي مفروض إنما عن قناعة وإيمان وهناك حلول أمنية كالشرطة النسائية أو الأدوات التكنولوجية.

يجب أن نعي أنه لا يمكن فرض شيء على المجتمع إلا ثقافة التعايش والحب لأنها أمن قومي وتمس بنيان المجتمع ولا يمكن منع النقاب.

رسالتي إلى الداعين إلى خلع النقاب ابحثوا عن حرية الفكر وطالبوا البرلمان بتشريع يحمي حرية النشر وازدراء الأديان ولا داعي للتحدث فيما لا يفيد المجتمع، اعملوا على الأرض لتندمج المرأة المصرية في سوق العمل وتخرج طاقاتها الإبداعية فهي ليست بأقل قيمة من الرجل.

أخيرًا.. ولن يأتي التعديل إلا خلال أطروحات ثقافية مجتمعية دينية تؤكد التعايش وتقبل الآخر وتناقش النقاب ما له وما عليه لأن عصر الإكراه ولى إلى غير رجعة، فالبكيني أو النقاب ليس معيارًا لسلوك الفرد وإنما العبرة بالقيم والتحرر الفكري.. إننا رغم دعوة الرئيس نحو تجديد الخطاب الديني لم أر تحركًا إيجابيًا من أزهر أو كنيسة نحو تغيير الثوابت البالية وهنا مربط الفرس.

إن المرأة المنتقبة عن قناعة قد تكون أكثر حكمة وعقلا من ألوف وامرأة البكيني قد تكون أكثر ثقافة من ألوف..

اتركوا المرأة لشأنها اعملوا لبناء ثقافة الحرية لا الديكتاتورية.. فنحن أبناء وطن واحد قبطي ومسلم وسلفي قبل كل اختلاف سياسي وهناك فرق بين المتدين السلفي الذي هو شريك وطن وبين أحزاب دينية نختلف معها بلا تجريح أو إهانة وسيظل الدين الإسلامي بقيمه جزءًا من مكنون الثقافة المصرية العريقة.

أقول كلمة حق تجاه الوطن وبالطبع لن يجرؤن أن يتهمونني بأنني إخوان.. فعندما حاربنا الإخوان فأين كنتم؟
وللحديث بقية....
الجريدة الرسمية