المشكلة الحقيقية لوزارة التعليم (1)
اشتعل الغضب بالأمهات؛ فطالبن بـ«حذف الحشو»، واحتواء الفصل الدراسي الثاني على وحدتين فقط، مستشهدات بمعاناة الأطفال، وكراهيتهم للاستذكار، ورفعن شعار: «عاوزين دراسة ممتعة مش حشو مخ وكلكعة»، وانتهى الأمر بوعد مستقبلي أطلقه وزير التعليم في (31 مارس 2016م) بتطبيق نظام الترمين للأبناء في الخارج، ووعد بتغيير المناهج في العام المقبل، إلى جانب تيسير الجدول ومراعاة أعياد المسلمين والأقباط.
ورغم محاولات بعض برامج التوك شو إبقاء الموضوع حيًا باستضافة ولي أمر هنا، أو معارض للوزير هناك، فإن تصريحات الوزير أسهمت في تهدئة الرأي العام، لكنها تهدئة مؤقتة، ستتلاشى مع امتحانات الشهادات –خصوصًا الثانوية العامة– فبالتأكيد سيكون هناك مادتان أو ثلاث تعلو فيها صرخات الطلاب، وتثير غضب أولياء الأمور، ودعاوى بالجملة على وزارة التعليم وواضعي المناهج والامتحانات، وانفعال حاد من مقدمي برامج التوك شو، هذا فضلًا عن ملف تسريب الامتحانات الذي يهز كيان المجتمع المصري كل عام.
تشير متابعة ملف التعليم في مصر، إلى أن كل طرف يهتم بما يقلقه فقط، ولا يهتم بالتكامل في العملية التعليمية؛ فالمعلمون يهتمون بالرواتب، وبتوفير بيئة عمل تساعدهم على أداء مهامهم، فضلًا عن الملف المعقد جدًا "إعادة احترام المعلم، وإعادة هيبة العملية التعليمية".
أما الطلاب، فيهتمون بتيسير وتسهيل تحصيل أعلى الدرجات بأقل مجهود، وأن تكون الامتحانات في متناول الطالب أقل من المتوسط، خصوصًا في ظل نظام التنسيق المحطِّم للآمال، وفي ظل منظومة الجامعات الإقليمية وتوزيع الدارسين عليها.
وبالنسبة لأولياء الأمور، يتألمون من الدروس الخصوصية، وتكلفتها التي لو تم ادخارها يمكن أن تكون نواة مشروع صغير، فضلًا عن المعاناة من المحاباة والمحسوبية في القبول بالمدارس، انتهاء بمشكلة التنسيق التي تؤرق كلًا من الطالب وأولياء الأمور.
أعتقد أن ما قطعه الوزير على نفسه من عهود يصعب الوفاء به؛ فتعديل المناهج لا يمكن أن يتم بين انتهاء عام وبداية آخر، لا يمكن أن يتم بشكل مفيد علميًا، أقصد بالشكل التربوي الحقيقي، خصوصًا أن ما في أذهان الأمهات عن التعديل هو الحذف، وليس التطوير، تحديدًا عودة المناهج إلى ما كانت عليها إبان فترة دراستهن بالمدارس، وكل هذا يتحاشى ويتجاهل جوهر المشكلة الحقيقية لوزارة التعليم.
المشكلة الحقيقية لوزارة التعليم هو ما حدث في العالم من تغيرات سياسية اقتصادية جعلت كل الدول تنظر للتعليم باعتباره الأساس لأي تطور وتقدم، بما يُكسِبْه لطلابه من قيم ومهارات واتجاهات وقدرات تحليلية وعقلية وبدنية، بينما ما تزال النظرة الأساسية للتعليم لدينا خصوصًا لدى أولياء الأمور باعتباره القنطرة التي تؤدي إلى التوظيف الحكومي، وكأننا ما زلنا في عهد (محـمد علي) الذي ينتظر من التعليم تقديم الموظفين والإداريين والتقنيين لتلبية احتياجات الدولة منهم، والواقع يشهد أن كل دول العالم شرقية وغربية لا يمكنها الآن أن توجد هذه البيئة التوظيفية، وتستعيض عن ذلك بتقديم شخصية تنافسية لطالب يتخرج من التعليم قادرًا على أن يجد لنفسه وسط هذه المتغيرات مكانًا ومكانة يُحَصِّل منها معاشه.
بينما نظامنا التعليمي يشبه قنطرة عبور تتسع في أولها لكل من يدخلها، وتضيق في آخرها عن طريق التنسيق حتى لا تكفي إلا قليل القليل، ثم تختفي القنطرة فجأة تاركة أفرادها في الهواء الطلق في مواجهة سوق عمل لم يستعدوا لها ولم يتدربوا على احتياجاتها، ولا يعرفون كيف يواجهون متغيراتها.
وللحديث بقية.