رئيس التحرير
عصام كامل

وزير قارة السينما الأفريقية


قابلت منتصف الشهر الماضي وزير قارة السينما الأفريقية..رجلا عنيدا مشبعا بالحركة والوطنية والطموح لجعل القارة السمراء كتلة واحدة تنصهر فكريا وإبداعيا بل وسياسيا للتعارف وتتكامل لتحقيق آمال وأحلام شعوبها..هذا الوزير الذي التقيته وعايشته على مدى العامين الأخيرين اسمه (سيد فؤاد) الذي سبق وأطلقت عليه عمدة الأقصر السينمائي، قبل ترقيته كوزير بلا وزارة يقوم على مدى سبعة أيام كل عام بما لايستطيعه وزراء كثيرون لجمع شتات أفريقيا والعرب (الامتداد الإستراتيجي لأمننا القومي) حول مشكلاتهم وأحلامهم عبر السينما والورش الفنية والندوات والاتفاقيات.


فعلي أرض الأقصر السينمائي كان هناك وزراء ثقافة عرب وأفارقة يستقبلهم فنانون ويلتقون على مائدة واحدة كلها حب وفهم وعمل، وكان هناك فنانيون كبار وأكاديميون مهمون على غرار هايلي جريما بل وحتى النجم العالمي داني جلوفر قطع تصوير فيلمه بببلغاريا ليلبي نداء الأقصر ويرقص مع المزمار الشعبي ويركب الحنطور قبل أن يقدم مؤتمرا صحفيا حاشدا بين ضفاف معبد الأقصر لتطوف هذه الصور العالم لتقول دون طنطنة أو تكلفة بملايين الدولارات إننا بلد أمن ورائع ويستحق زيارتكم وانبهاركم (ملحوظة: لم يتقاض الرجل مليما واحدا كما هو العرف في المهرجانات مقابل الحضور).

هكذا ينجح سيد فؤاد فيما فشل فيه وزراء كثيرون خصوصا في أعقاب ثورة وتداعيات فوضوية خطيرة أطاحت ببقايا السياحة التي كانت تأتي إلينا.. والحقيقة أن هذا المجهود لوزير القارة الأفريقية ومجموعته التي على رأسها مديرة المهرجان الدينامو عزة الحسيني التي تتحرك في كل اتجاه وتفعل المستحيلات لينهض هذا المهرجان في 5 سنوات فقط ليصبح واحدا من أهم المهرجانات الفنية والسياحية في العالم، كل هذا المجهود يجعلنا نشعر بالفخر بهؤلاء الذين يمارسون شعار حب الوطن بلا طنطنة أو كلمات جوفاء فهم يقدمون لنا تجربة عملية في إمكانية فعل المستحيل لو تحقق الإخلاص ونبع حب الوطن من القلب.

والمدهش أن وزير القارة السمراء غير الرسمي ظل يعاني حتى قبل أسبوع واحد مع الوزارات الرسمية ليصرف شيكات الدعم البسيطة ويسدد تذاكر الطيران وتكاليف إقامة الضيوف ومطبوعات المهرجان، وكأنه كان أكثر حرصا على الوجه المشرف للوطن في الخارج أكثر ممن هم منوط بهم فعل ذلك بحكم مواقعهم وهو أمر يثبت أن المزايدة الوطنية القبيحة من البعض هو نوع من التصرفات تكشف عن حجم الفشل الكبير ومحاولة التغطية عليه بالخطب والشعارات.. في الوقت الذي كان فيه سيد فؤاد وعزة الحسيني يمارسان الفعل الوطني المبدع دون تصريح واحد يقولان فيه أنهما يحبان مصر.. أو تحيا مصر التي نسمعها في كل مناسبة الآن، بينما نمارس على الجانب الآخر كل أنواع الإساءة والكراهية لها.

لقد عشنا أجواء ساحرة في مدينة استثنائية يعتبرها العالم متحفا مفتوحا لبضع أيام ومنذ لحظة الافتتاح كان الاتجاه لمعبد حتشبسوت عبر كرنفالات شعبية لتعزف موسيقي الهارب ويصعد النجوم في خلفية المعبد التاريخي تغلفه إضاءة كرست المزيد من سحره وغموضه بينما يحمل شريط الصوت لنا أغنيات العزبي المغلفة لرقصات محمود رضا وفرقته للأقصر ولحتشبسوت، بينما يتسلل إلينا صوت فنانة مدهشة هي سلوي محمد على لتعلن (باعتبارها حتشبسوت نفسها) ترحيبها بالضيوف، وأزعم أن هذه الأساليب الترويجية فيها قدر كبير من الابتكار والإبداع معا القادرين على الجذب السياحي ناهيك عن الترويج العالمي، وكل ذلك بفضل وزير بلا وزارة رسمية اختار أفضل المساعدين وقدم درسا عمليا في حب الوطن ليرد به على المزايدين، وتجار الوطنية الجوفاء، وهو مايستحق كل الدعم والتشجيع من الوزارات الرسمية والدولة كلها خلال السنوات القادمة.
الجريدة الرسمية