رئيس التحرير
عصام كامل

هشام جنينة مُدان.. وأنتم أيضا


يبدو أن بعض الجهات في الدولة لا تريد غلق ملف المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المُقال عند حدود صمته، الذي يُطبق بنوده القاسية، رافضًا التعليق على كل التجاوزات والحملات الإعلامية والصحفية المسعورة بحقه، متقبلًا مصيره بنفسٍ راضية، ومن الواضح أنها لا تريد أن تتركه إلا بجرح طاعن في الكرامة والشرف.


على مدى الأيام الماضية، ظهرت تقارير صحفية، تؤكد أن الرجل "سّهل" خروج بعض موظفي الجهاز المركزي للمحاسبات، للعمل في القوات المسلحة القطرية، ناقلة بذلك عن مصادر "مُجهلة" بالطبع، أن الموظفين أقروا كتابيًا ضمن بنود تعاقدهم، بـ "الطاعة" في السلم والحرب للجيش القطري !

المصدر قال إن تصرفات جنينة في هذه الواقعة -تخابرًا واضحًا- مع قطر، معتبرًا أن موافقته على إعارة موظفين لدولة لها "سياسات معادية" للدولة المصرية، جريمة تصل عقوبتها للأشغال الشاقة المؤبدة؛ وكأنه يريد أن يقول لنا إن المعلومات التي يمتلكونها، لا خطورة فيها؛ إلا إذا تم البوح بأسرارها للدول التي تعلن مسارات سياسية مخالفة لنا، أما غير ذلك، فمُرحب جدًا وليس على الأصدقاء حَرج !

محتوى الموضوعات المنشورة في هذه القضية، يثير التعجب والسخرية، ليس لمشاركة الصحافة في نشر اتهامات "ساذجة" للإيقاع بالرجل في شرك الخيانة، فالكثير من الصحفيون يبحثون في النهاية عما يشبع مجدهم الصحفي، ولكن لإهانة مثل هذه الاتهامات، ضعيفة الخيال والحيلة، ذكاء المواطن المصري !

ربما فات على المصدر، الذي سرب هذه الأوراق للصحافة، أنه يُدين أجهزة الأمن في هذه القضية، بل اتهامها بالتقصير والتخاذل، أقرب من اتهام جنينه نفسه، فلا الرئيس لسابق للمركزي للمحاسبات كان مسئولًا في الأجهزة الأمنية، وسهل بالمخالفة للقوانين لموظفي الجهاز الحصول على تصريحات عمل لـ "دولة معادية"، ولا هو من اختصاصه الفصل في مسألة أمنية بامتياز، وإعطاء تصاريح ووثائق الخروج والدخول للمواطنين، وخاصة للبلاد التي عليها علامات استفهام في علاقاتها مع مصر، ولا يمكن لعاقل أن يلوم مّن يطبق القانون على جميع العاملين وفقًا للوائح، طالما الراغب في الهجرة استوفى الشروط القانونية لذلك.

وعلى الرغم من سعي التقرير الصحفي على لسان المصدر، إثبات أن جنينة خالف نصائح الأمن، ومع أنه سرب خطابات شخصية بين جهة العمل القطرية والموظفين المعارين إليها، إلا أنه لم يسرب الخطابات التحذيرية من الأجهزة الأمنية لجنينة، ليظهر لنا تواطؤ الرجل بـ "الأدلة" التي لا يرد لها بابًا.

وحتى لو سرنا مع افتراضات "المصدر" بصحة عمالة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات لقطر، سنجد المنطق يأبي الخضوع والاستسلام، فأين كانت أجهزة الأمن بعد أن خالف جنينة تعليماتها، ونفذ مخططه الشيطاني لتسريب معلومات شديدة الخطورة عن البلاد كل هذه المدة.

لماذا تُرك منذ 2013 في منصبه، وهو لديه هذه الميول الخطيرة للعمالة ضد مصلحة بلاده، وكيف لم يتم محاكمته بهذه التهمة من وقتها وحتى الآن، ولماذا اكتفى في خطاب عزله عن منصبه بالاستناد إلى تصريحه عن تضخم الفساد، دون أن يكون هناك مجرد إشارة لارتكابه خيانة عظمى في حق مصر وأهلها !

أين كانت الأجهزة الأمنية، عندما وافق جنينة على سفر موظفي المركزي للمحاسبات، وعند تمديد إعارتهم مرة أخرى في 2015، وهل نفهم من صمتها طوال هذه المدة، أنها متواطئة معه في العمل ضد مصلحة الأمن القومي المصري، بعد أن تركت خلايا الإخوان النائمة في الجهاز، يحملون أسرار بلادهم العسكرية والاقتصادية بالغة الخطورة، لينثروها في حجر العباءة القطرية المارقة، ويخرجون بمنتهى السهولة من المطار، الذي شاهدت السلطات المعنية به من واقع جوازات سفرهم -أنهم في طريقهم للعمل بالقوات المسلحة القطرية- والأنكى من ذلك أنها تركتهم يكملون مدتهم بسلام، ليعودوا مرة أخرى لتجديد إعارتهم، دون أن تحرك ساكنًا، أو توقفهم هم ومن سمح لهم بهذه المهزلة !

يقول العبقري، العلامة الراحل عباس محمود العقاد، في كتابه الفريد، التفكير فريضة إنسانية، "من خصائص العقل التأمل فيما يدركه، ويقلبه على وجوهه، ويستخرج منه بواطنه وأسراره، ويبنى على ذلك نتائجه وأحكامه".

من هذه الحكمة للرمز المصري الخالد، نقول عذرًا أيها "المصدر المُجهل العظيم" هي ليست حربًا بين باتامان وسوبر مان.. إن كنت ترى أن جنينه عميلًا بهذه الأدلة التي لا ترقى لمستوى التفوه بها، فأنت بذلك تلقي بأجهزتنا الأمنية إلى مستنقعات وحفر سياسية وأمنية تبدد جهدها الحقيقي في وحل خصومة سياسية مفتعلة دون داع مع المستشار الصامت.. هشام جنينة.
الجريدة الرسمية