لن نقبل تسوية بلا خراب ولا دماء
فى الغرب تقليد يسمى «التسوية خارج المحكمة»، تقيم دعوى على خصم فيكتشف هو أنه سوف يخسرها، وتعرف أنت أنها سوف تكلفك مصاريف باهظة، فيعرض محاميك ومحاميه شيئا يدعى «التسوية» من أجل توفير المال والوقت وغسل الثياب الوسخة أمام الناس، لكن التسوية تتطلب شجاعة قصوى.. الخصم يجب أن يعترف لنفسه بأنه سوف يخسر، وأنت يجب أن تعترف لنفسك بأن الفوز بالقليل المؤكد أفضل من توقع الكثير غير المضمون.
هذه الشجاعة لا وجود لها فى العقلية العربية، إما كل شىء أو لا شىء، وأفضل أن نخسر معا على أن نربح معا والمجد الحقيقى ليس فى أن أربح بل فى أن أهزمك، تعلم الغربيون من حروبهم الطويلة ونزاعاتهم المعلّة أن التسوية نصر مشترك ولو بشىء من الخسارة وتدربوا على قبول المشاركة فى الخسارة كما فى الربح.
حاول بورقيبة إقناعنا بقبول قرار التقسيم عام 1965، وأعتقد أنه كان مدفوعا من أميركا أو أوربا أو كليهما، دقينا له على التنك. وبعد عامين حلت 1967، وبعدها تم تقسيم ما بقى من فلسطين إلى غزة ورام الله. ونحن موعودون بأنهما سوف يتصالحان ذات زمان.
وفى العراق كان يمكن تسوية المسألة بين الأكراد والبعث من دون قصف جبال أربيل بالميغ وحلبجة بالكيماوى، لكن التسوية إهانة. والآن البعث خارج الوجود والأكراد خارج العراق. وفى ليبيا كان يمكن أن توزع السلطة على أعضاء مجلس الثورة وأصدقائهم وأقربائهم لكن القائد الملهم أراد ليبيا له ولأبنائه ولزوج شقيقة صفية فركاش أو الموت، وفى سوريا كان فى إمكان النظام المسارعة إلى التسوية: تقليم فى تعابير عصور الخطابة، تقليل مراسم العبادة للقائد والحزب القائد، جريدة أو جريدتان إضافيتان لا تكونان من ممتلكات رامى مخلوف.
لكن لا تسوية مع الإرهابيين والمسلحين والمؤامرة الكونية، وفى مصر كان فى إمكان حسنى مبارك أن يعقد تسوية بسيطة مع الناس، انسوا جمال هذه المرة ما دمتم لا تريدونه. لا. إما جمال أو سجن طرة. وفى تونس كان فى إمكان بن على أن يخرج مشكورا إلى التقاعد، بعد ولايتين أو ثلاث، لكنه أراد تونس مدى الحياة. إما هازم أو مهزوم. إما رئيس أو منفى.
التسوية لا ترضى، يجب أن ترى خصمك مغمسا بدمائه أو أن يغمس دماءه فيك. لا مجال للتفاهم أو للاحتكام. إما السيد الرئيس وإما البلد برمته. بورقيبة تعلم فى سجون فرنسا أن المهم هو الاستقلال، وليس عيبا ألا يفنى الشعب فى سبيله. وغاندى علم الآخرين أنه إذا كانت الحرية ممكنة بألف قتيل فلماذا عشرة آلاف. عقد التسوية خارج المحكمة وأنقذ كرامة الهند، وأخرج بريطانيا بلا كرامة.
نقلاً عن الشرق الأوسط