رئيس التحرير
عصام كامل

أهلا بالشعب السعودي في وطنه أم الدنيا


نستدعي باعتزاز ما خرج به الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، على شعبه، متأثرا بما لاقاه من حفاوة سابغة في مصر، على مستوى الشعب وأحزابه وطوائفه والملك فاروق، عام ١٩٤٦، ومن الواضح أن تأثره كان بالغا لأنه قال بالحرف الواحد:


«شعبي العزيز:
ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيت، ولكن اعتزازي أني أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب». 

وضع المؤسس السعودي قاعدتين أساسيتين نهضت عليهما العلاقات بين القاهرة والرياض، مهما تعددت الأزمات ومرت قطعان سحب رمادية، وهما أن القوة في مصر هي قوة للسعودية، والنهضة والتقدم الاقتصادي، وما يرتبط بهما من عمران وحضارة في أي من البلدين، هو رصيد للآخر، والجناحان، معا، قوة عسكرية وتقدما اقتصاديا وحضاريا، في خدمة الأمة العربية.

ولا نظن أن هذه المعاني، التي تركها عبد العزيز لأبنائه في السعودية دستورا، ومرشدا، قد غابت لحظة واحدة في كل المراحل الفاصلة في معارك مصر من أمتها العربية أو من أجل الحفاظ على هويتها الوطنية. لم تغب عن الملك فيصل رحمه الله في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، فهو بطل معركة البترول بحق مناصرة للجيش المصري، وقرر وقف إمدادات البترول للغرب أثناء المعارك..

ومن قبله وقف في صفوف الجيش المصري عام ١٩٥٦، الملك الحالي سلمان عبد العزيز دفاعًا عن مصر أثناء العدوان الثلاثي، ووقف سلمان أيضا مع عودة مصر لأمتها العربية بعد قطيعة كامب دافيد، وتوسط للتهدئة في الرياض ١٩٨٦، ثم الوقفة البطولية التي لن تمحى من الوجدان القومي المصري للملك عبد الله بن عبد العزيز، حبيب المصريين، الذي دافع بكل قوة وعقيدة وطنية، عن ثورة ٣٠ يونيو، وأرسل على الفور الراحل الكبير، رحمهما الله، سعود الفيصل وزير الخارجية البارع الرصين، إلى باريس، ليكبح جماح الغرب الذي تربص وتجهز لإنزال العقاب بالشعب وجيشه وثورته، وكانت للزيارة السعودية آثارها الفورية في انقلاب الموقف الأوروبي من الهجوم إلى التريث والترقب، ثم المساندة والاعتراف بثورة شعب على هدام الحضارة وإرهابيي العصر، آباء داعش والقاعدة والنصرة المؤسسين!

ولما رحل عبد الله الملك العاشق لمصر في ظرف هي أحوج ما تكون فيه إلى نصير، وجاء الملك سلمان، ركضت سحب كثيرة من صنع الغير والهواجس، تثير بذور فتور، وتنذر بتراجع، حول مواقف متباينة من قضيتي اليمن وسوريا، فاليمن بالنسبة لمصر مأساة قادت إلى هزيمة ١٩٦٧ مهما قال الناصريون عن الدور الوطني وفتح أبواب الحضارة والتنوير بحرب تورط فيها النظام المصري وقتها، وللسعودية في اليمن ذلك الوقت دور عقابي لناصر، ولن نخوض بأكثر من ذلك حتى لا نستدعي مرارات، ولقد قبلت مصر السيسي بدور كبير بقواتها الجوية والبحرية الضاربة في التحالف العربي ضد إيران ومندوبيها الحوثيين في اليمن!

غير أن لمصر موقفًا مغايرًا من الموقف السعودي بالنسبة لسوريا، فهي تركز على وحدة سوريا ومؤسساتها وأراضيها، وكذلك السعودية، لكن الخلاف حول بشار يذهب أم بشار يبقى ! ذهاب القذافي عنوة وقتلا، أفضى إلى الفوضى ونهب السلاح وتفتيت الجيش وانتشار الإرهاب، وذهاب صدام حسين شنقًا مع تكبيرات عيد الأضحى، أفضى بالعراق إلى التقسيم، وسيطرة إيران والأمريكان والدواعش، ومن ثم رأت مصر أن الشعب السوري وحده من يقرر مصير رئيسه!

لكن من قال إن المرء الواحد لا يختلف مع نفسه؟ فما بالك بالدول ومصالحها العليا، ومن الصحيح سياسيا أن تتباين وأن تتوافق الرؤى، والحلول، بلا عداوات، وفي حال مصر والرياض، تبقى كلمات المؤسس عبد العزيز آل سعود هي البوصلة: جيش مصر العربي هو جيشكم.

واليوم يزور الملك سلمان مصر، ليؤكد إيمانه الراسخ بما أورثه إياه والده، وما برهنت عليه الأحداث المضطرمة، والحرائق المشتعلة، حول الجسد العربي كافة، تريد إلى حرق مركز القلب في القاهرة والرئتين في الرياض.

ذكاء وصبر ووعي القيادتين في البلدين الشقيقين، جدران صد ورد للبغي الإيراني والمكائد الغربية.

المثل المصري المثبت هو: المتغطي بالأمريكان عريان، فكم باعوا وتخلوا عمن صادقوهم وخدموهم، ونضيف نحن: والمتغطي بأخيه العربي دايما دفيان دفيان.
أهلا بالشعب السعودي في وطنه أم الدنيا.
الجريدة الرسمية