رئيس التحرير
عصام كامل

مدير شبكة معلومات حقوق الإنسان: رجال الأعمال امتنعوا عن تمويل المنظمات خوفا من الأمن الوطني

فيتو

  • النظام يسعى للتخلص من المنظمات المستقلة أو تجنيدها
  • ممنوع من السفر لأسباب مجهولة
  • ثقافة تعامل النظام الحاكم مع التقارير الدولية لحقوق الإنسان «سطحية»
  • مبادراتنا لإصلاح «الداخلية» موجودة في أدراج "الاتحادية"


رائد في مجال حقوق الإنسان، تبنى قضية الوطن والإنسان.. حلم بمدينة أفلاطون الفاضلة.. مدينة يُحترم فيها الإنسان وتصان كرامته، دعم ثورة الشباب وكان في الصفوف الأمامية فور اندلاعها مدافعًا عن أهدافها، قاوم صنوف التضييق والملاحقة فبات نموذجًا للإيثار والصمود.

المحامي جمال عيــد، الناشط في مجال حقوق الإنسان، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أحد المنضمين مؤخرًا لقائمة الممنوعين من السفر، والذي تحدث لـ« فيتو » عن تفاصيل واقعة تعرضه للمنع، وتطرق إلى الوضع الراهن للحقوق والحريات، وأهم المبادرات التي يقدمها المجتمع المدنى للمساهمة في إصلاح مؤسسات الدولة.. وحول هذا كله وأمور أخرى كان الحوار التالى:


* بداية.. كيف تقرأ المشهد الحقوقى المصرى الراهن ؟
حقوق الإنسان في مصر خلال الخمس سنوات الماضية لم تسر على وتيرة واحدة، فخلال الفترة الانتقالية الأولى ارتفع حجم الانتهاكات مثلما حدث في فض اعتصام فبراير، وأحداث ماسبيرو ومسرح البالون ومحمد محمود، ومع ذلك لم تكن هذه الانتهاكات ممنهجة، وفى عام ٢٠١٢ م بدأت تظهر نتيجة تحالف القوى الدينية المتمثلة في الإخوان والمجلس العسكري، وهما اللذان حاولا توظيف مؤسسات الدولة لخدمتهما، وكنا نرصد عددًا ضخمًا من الانتهاكات إلا أن الثورة كانت لا تزال في عنفوانها وكان يقابل هذه الممارسات رد قوى من الجمهور في الشارع.

المرحلة الثالثة وهى فترة ما بعد تولى المستشار عدلي منصور مقاليد الحكم، وإصداره حزمة من القوانين المقيدة للحريات، مثل قانون التظاهر، ومد فترة الحبس الاحتياطي، ونقل المحاكمات إلى أماكن يمكن وصفها بـ«سيئة السمعة» مثل معهد أمناء الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي، والتي استمرت حتى الآن.

على الجانب الآخر قوى الثورة تقاوم، فهى لا تزال مصرة على انتزاع حقها في التعبير حتى في ظل هذه القوانين المجحفة، والأحكام السياسية، فلا يمكن أن نتجاهل ٥٥ مليونا هم عدد مستخدمى الإنترنت معظمهم من الشباب، الذين يلعبون دورًا رئيسيًا من خلال حملات قوية على مواقع التواصل الاجتماعي، وإصرار بعضهم على النزول إلى الشارع رغم عمليات القبض والملاحقة، فمصر الآن تشهد حالة منعدم الرضا والغضب، وبات من الواضح أن هناك سياسة عدائية حيال ملف حقوق الإنسان والحريات، باختصار يمكن القول إن التضييق على الحقوق والحريات بلغ أشده بشكل أسوأ مما كانت عليه في عهدي "عبد الناصر ومبارك".

* لو ابتعدنا قليلا عن منطقة الحقوق والحريات وموقف الأنظمة الحاكمة منها.. لتحدثنا عن تفاصيل صدور قرار بمنعك من السفر خارج البلاد ؟ وهل هي الواقعة الأولى أم لك تجارب سابقة ؟
أواخر ديسمبر الماضى وبداية يناير، سافرت لعدد من الدول ألمانيا ورواندا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عودتى بأسبوعين، كنت متوجهًا إلى اليونان، وفوجئت في مطار القاهرة بإبلاغى أننى ممنوع من السفر دون الإفصاح عن أي أسباب، بعدها توجهت لمصلحة الجوازات 6 مرات، ومع ذلك رفضوا توضيح سبب المنع، رغم أنه قانونيًا من حقى أن أعرف، لكن دعينى أوضح أن قرار المنع إما أن يصدر عن النائب العام في حال التحقيق معى في قضية، وهذا غير موجود، وأما الحالة الثانية هي إجراء بوليسي، يمنع المواطن من السفر بشكل غير قانوني.

* من وجهة نظرك.. ما السر وراء تعامل الأنظمة الحاكمة مع المنظمات الحقوقية كونها تقف في جبهة المعارضة وليس معسكر الإصلاح؟
الدولة لا تـرى منظمات المجتمع المدني بأكملها تيارًا معارضًا، فهى تنظر هذه النظـرة فقط للمنظمات المستقلة؛ لأن هذه المنظمات لا تهدف لرضا الدولة، وإنما هدفها تقديم خدمة للمواطن والسعى وراء تطبيق سيادة القانون، وكذلك تأتي من ضمن مهامنا أيضًا تقديم المبادرات لإصلاح الدولة وأجهزتها؛ لأننا نصل إلى مشكلات مجتمعية وسياسية وحقوقية واقتصادية لم تصل إليها الدولة، وبالفعل قدمت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» عدة مبادرات لإصلاح وزارة الداخلية، ومصيرها الآن أدراج قصر الاتحادية، والوزارة، كما تقدمنا بمبادرات لإصلاح مؤسستى القضاء والإعلام، وفى ذات الوقت نقدم المساعدات والاستشارات القانونية، ونرصد ونشير إلى الانتهاكات، ونسعى لحلها، وهذا ما يوضح إغلاق عدد من المراكز الحقوقية كان آخرها "النديم".

* لكن هناك من يتهم النشطاء الحقوقيين بالحصول على تمويل أجنبى غير مشروع لتشويه صورة مصر خارجيًا.. تعقيبك؟
هذا اتهام رخيص وعار من الصحة ومحاولة لإسكات المنظمات الجادة التي تعمل على الأرض، فقد حصلت على جائزة مالية خاصة في مجال حقوق الإنسان من ألمانيا، وحضر حفل التكريم سفير مصر في ألمانيا، وتبرعت بها كاملة لإنشاء خمس مكتبات عامة في أحياء شعبية مصرية، وهذا ما يثبت زيف ما تتشدق به الدولة تجاه المنظمات المستقلة.

* بصراحة.. لماذا لم تخضع «الشبكة العربية» لقانون العمل الأهلي 84 لسنة 2002 ؟
لم نخضع لقانون العمل الأهلي الحالي؛ لأن وزارة التضامن الاجتماعى منذ عهد مبارك وحتى الآن تسيطر عليها أجهزة أمنية، ترغب في إفراز حقوقيين مهمتهم الوحيدة «تلميع الدولة» وترفض ظهور حقوقيين يعملون بحياد بعيدًا عنها، ونحن غير متواطئين بالتأكيد، وفى هذا الصدد تقدمنا في عام 2011م بمشروع قانون منظم لعمل الجمعيات الأهلية للمجلس العسكري فترة توليه الحكم كممثل عن السلطة التنفيذية والتشريعية آنذاك، ينص على أن العمل العام أساسه التفاوض، وإن احتاجت هذه المنظمات إلى نفقات تلجأ إلى التمويل المحلي، وإن لم يتوفر تبحث عن مصادر تمويل أجنبى من المجتمع المدنى وليست الحكومات، وعند حصول أي منظمة على تمويل أجنبى عليها أن تعلن حجم التمويل ومصدره وكيفية إنفاقه، ومن يختلف على ذلك يلجأ للقضاء لكن لم يفعل المشروع، فأعدنا طرحه مرة أخرى في عهد الإخوان، ثم في عهد حكومة الدكتور حازم الببلاوى عندما دمج الدكتور أحمد البرعي، وزير التضامن الاجتماعى الأسبق، مشروع القانون الذي قدمته منظمات المجتمع المدنى مع المشروع المقدم من الوزارة في قانون توافقي، ووافق عليه الجميع، وعلقنا حينها أنه مشروع قانون غير نموذجى لكن يمكن العمل به، إلا أننا فوجئنا بعد ذلك بسحب القانون، وتقديم قانون أصفه بـ«البوليسي» يجعل أجهزة الأمن متحكمة في أداء وزارة التضامن الاجتماعي، حيث يسمح لهم بحل الجمعيات، فالهدف الرئيسى من هذا القانون هو تحويل منظمات المجتمع المدنى إلى إدارات تابعة للدولة، وهذا ما نرفضه تمامًا.

* ما هي العثرات والعراقيل أمام التمويل المحلي للمنظمات المصرية ؟
نحن مع العمل التطوعي أولًا، لكن في حالة وجود تكلفة عالية لبعض الأنشطة نلجأ للتمويل المحلى ونرحب به، ومع هذا للأسف رجال الأعمال يخشون تضييق الأمن والأجهزة الأمنية عليهم إذا قدموا الدعم أو تبرعوا لمنظمات حقوق الإنسان، وبالتالى لا تجد المنظمات أمامها بدًا سوى التمويل من مجتمع مدنى محلى دولى بعيدًا عن الحكومات كما يتصور البعض.

* البعض يتهمكم أيضًا بانحيازكم لقضايا اليسار أكثر من غيره من التيارات السياسية ؟
غير صحيح والرد يكون بالوقائع والأرقام «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» قدمت الدعم لأكثر من 2000 إعلامي، بمن فيهم أحمد موسى، مقدم البرامج على فضائية «صدى البلد» الذي يهاجمنا، ليس اتفاقًا منا مع ما يقدمه ومع آرائه، لكن دفاعًا عن حقه كإعلامي، كما أننا دافعنا عن يسرى فودة، ريم ماجد، وإبراهيم عيسى، وعن باسم يوسف، وغيرهم.

ولا يعنى دفاعنًا عن صحفى يسارى أو إخوانى أننا ننتهج فكره ونفس الأيديولوجية، لكننا ندافع عنه من أجل حقه كالصحفى، وأن الرأى لا يجب أن يصل إلى المحاكم، بعيدًا عن تبنى رأيه أو توجهه.

* ما رأيك في أداء المجلس القومى لحقوق الإنسان ؟
المجلس القومى لحقوق الإنسان كمؤسسة متواطئة وتجمل وجه الأنظمة، التاريخ يشهد على ذلك، فمنذ إنشائه عام 2004م، وهو نفس تاريخ إنشاء الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كنا مستعدين للتعاون معه، لكننا اكتشفنا أن المجلس برئاسة الدكتور بطرس غالى انتهج سياسة تجميل نظام مبارك، وبن على في تونس، فكانوا يصدرون للعالم أن النظام التونسى ديمقراطي، وهو في حقيقة الأمر ديكتاتورى متوحش، ولما وصل الإخوان لسدة الحكم، تعين المستشار الغريانى رئيسًا للمجلس، وبدأ هو الآخر في تحسين صورة قطر، وحتى مع رئاسة محمد فايق للمجلس تبين أنه متواطئ مع الدولة على القمع، ورغم ذلك هناك أعضاء داخل قومى حقوق الإنسان مستقلين مدافعين عن حقوق الإنسان يحاولون بذل جهد، لهذا لن نتعاون مع المجلس ونصفه بـ «عراب القمع».

* أخيرًا.. ما مدى تأثير اتهام المنظمات الدولية بالتواطؤ مع الإخوان ضد مصر.. وإنهاء البعض منها نشاطها في مصر على الملف الحقوقى المصرى دوليًا؟
التشكيك في المنظمات الدولية التي لها تاريخها ومعروفة بمصداقيتها يسيء لمن يشكك فيها، فـ«هيومان رايتس وتش» على سبيل المثال منظمة دولية مهنية تعلن عن مصادر تمويلها، ولم تمول من قبل حكومات، فعندما تصدر تقريرها عن مصر وتعلنه وتعرضه للمناقشة وفقًا لما تقضيه المهنية، يكون الرد حجز مدير المنظمة في مطار القاهرة، ثم نعلن أنها منظمة إخوان كون أن التقرير وضح العديد من المشكلات والانتهاكات.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"..
الجريدة الرسمية