رئيس التحرير
عصام كامل

القروض مشكلة وليست حلا !!


قرأت تصريحا للدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الري الجديد، يقول فيه إنه قرر مراجعة كل القروض والمنح الأجنبية التي تحصل عليها الوزارة، لمعرفة مدى الاستفادة منها وحتى لا تكون عبئا على موازنة الدولة المنهكة أصلا بالديون، وزير الري محق فيما يقول ولكن هل يستطيع تطبيق ذلك؟. 


القروض بالفعل لا تبني الدول ولا تحقق التنمية لأنها الطريق الأسهل، فالدولة المُقترضة تكتفي فقط بالتوقيع على القرض، ثم تتولى الدولة المُقرضة كل شيء، بأموالها تشتري منتجاتها ثم تقوم بالإشراف والتنفيذ وتشغيل مصانعها وعمالها، وتخصم قيمة منتجاتها بضعف ثمنها من أموالها التي هي أصلا في خزائنها ثم تحصل فوائد وأقساط القرض، وللأسف الشديد معظم مشروعاتنا بالقروض، سواء كانت خارجية أو داخلية والتي وصلت لحد الخطر.

المسئول يوقع على القرض ثم يتحمل البنك المركزي السداد، وخلال تجربتي القصيرة في وزارة النقل شاهدت معظم السفراء الأجانب ومئات الشركات ومؤسسات التمويل الدولية ووكلائهم في مصر يعرضون علينا منتجاتهم ومشروعاتهم، نشتريها وننفذها بأموالهم حتى نظل دولة غير منتجة ومجرد سوق لهم، وغالبا ما يتم ضخ القروض في مشروعات خدمية أو استهلاكية، بعيدا عن المشروعات التي تسهم في زيادة الدخل القومي أو تعطي إضافة إنتاجية حقيقية.

أكثر من 200 مليار دولار قروض عُرضت على الدكتور سعد الجيوشي، وزير النقل السابق، رفضها جميعا وكان مبدأه هو عدم اللجوء للقروض إلا في أضيق الحدود وبشروط قاسية جدا، منها عدم القدرة على التمويل الذاتي وأن يكون القرض ميسرا في المدة والفائدة ومعرفة كيفية سداده.

الجيوشي كان يريد أن يسلك الطريق الصعب، الذي اتخذته الدول المتقدمة، وهو الاستثمار والتصنيع المحلي لأنه يوفر خبرة وعملة وعمالة والتنمية.

نأتي للملف الذي أثار جدلا كبيرا في وسائل الإعلام، وهو إلغاء الاتفاقيات مع الصين وعدم توقيعها خلال زيارة رئيسها للقاهرة، يناير الماضي، فوزارة النقل كانت قد أبرمت اتفاقات مع الجانب الصيني لبعض المشروعات، وهي مجرد مذكرات تفاهم (mou) لا ترتب أي التزامات قانونية أو مادية على مصر، ومن أهم هذه المشروعات القطار المكهرب السلام / العاشر (15 مليار جنيه) وقطار الإسكندرية / أبوقير (27 مليار جنيه) والرصيف متعدد الأغراض في ميناء الإسكندرية (7 مليارات جنيه) بفوائدهم نحو 60 مليارا، هذه البروتوكولات ورثها الجيوشي من سابقه وبمراجعتها مع مجموعة الخبراء (think tank) انتهوا إلى عدم وجود ضرورة قصوى للاقتراض لهذه المشروعات، ويمكن تنفيذها محليا من خلال إعادة استغلال وتدوير أصول الدولة.

وبالفعل تشاورنا مع مهندسي السكة الحديد، وعلمنا أنه يمكن الاستفادة من خط السكة الحديد الحالي عين شمس -السويس وامتداده من الربيكي للعاشر من رمضان ثم بلبيس، وبعد ذلك للعاصمة الإدارية الجديدة قبل الانتهاء من بنائها، خاصة أنه لا توجد أزمة موصلات حاليا في هذه المنطقة.. ومستقبلا يتم تحويله من ديزل إلى كهرباء.

أما بخصوص خط أبوقير فمشكلته في عجز قطاراته وكثرة تقاطعاته، وورش السكة الحديد انتهت بالفعل من تجهيز القطارات المطلوبة والدراسات اللازمة للإلغاء التقاطعات بالكباري والأنفاق، أما رصيف ميناء الإسكندرية تم النشر عليه استثمار وليس قرض، تنفيذ المشروعات محليا يوفر 60 مليار للدولة.

وحينما التقى الجيوشي مع السفير الصيني بالقاهرة وشرح له وجهة نظره في أننا نرغب من الصين في شراكة استراتيجية حقيقية ومساعدة في بناء اقتصاد يعتمد على التصنيع وليس القروض، تفهم السفير الصيني بل واحترم وجهة النظر هذه، ولكن بعد رحيل "الجيوشي" هل سوف يتم العودة مرة أخرى إلى تنفيذ هذه المشروعات بالقروض الأجنبية بدلا من التمويل الذتي، وبالتالي تحميل موازنة الدولة أعباء أكثر.

مشكلة القروض الأجنبية هي في الوكلاء المصريين بالأساس، فكل شركة أو مؤسسة أجنبية غالبا لها وكيل مصري وهو الذي يمارس ضغوطا كبيرة، فلا يهمه مصلحة البلد بل عمولته أهم من مصر ومن فيها، وغالبا هذا لا يستفيد ولا يعمل وحده بل مدعوما من آخرين، كل حياتنا الآن أصبحت بالديون ومشاكلنا نتغلب عليها بالقروض وهي مسكنات ضررها أكبر من نفعها وقد يأتي الوقت الذي لا نستطيع فيه السداد، فهل سوف يستمر الحال هكذا أم أن لدى القيادة السياسية رؤية أخرى؟.. اللهم احفظ مصر.

الجريدة الرسمية