رئيس التحرير
عصام كامل

طائرة النوايا الحسنة


تعلن شركة مصر للطيران عن إقلاع أحد ركابها إلى السجن مباشرة!.

مشكوك في قواه العقلية يجوز، متهور في طريقته بالالتقاء بطليقته ربما، ولكن من المؤكد أن ضغوط الحياة وحال البلد خلقت منه إرهابيا يختطف طائرة مصرية، ليحلق بها خارج البلاد، بل تخطى القارة السوداء واتجه إلى جزيرة قبرص الواقعة في البحر الأبيض المتوسط في جنوب شرق أوروبا.


لسنا بصدد تفنيد دوافع الخاطف الأسرية والنفسية والمجتمعية، ولكننا بصدد الضجة المجتمعية والآثار العالمية التي أحدثتها فعلة ذلك المتهور إن صح التعبير.

في داخل مصر، وكالعادة انقسم الرأي العام ما بين مُثنٍ على الأداء الحكومي، خاصة وزير الطيران المدني، وطاقم الطائرة، وبين ساخرين من الواقعة من بدايتها حتى انتهائها بتسليم الخاطف نفسه للأمن القبرصي وطلبه مترجما وحق اللجوء السياسي لقبرص.

واقعة فشل صارخ في التعامل مع الأزمات لعدم وجود لجنة مواجهة الأزمات في مصر من الأساس، وبالطبع هناك القليل من البيانات الحكومية غير الملمة بكافة المعلومات إلا ما يتاح لها من الجانب القبرصي، وذلك بسبب عجز دبلوماسي مصري من قبل سفارتنا في قبرص في التحرك السريع لإمداد الحكومة المصرية بأدق التفاصيل لما يحدث في أروقة الحكومة القبرصية اتجاه أزمة الطائرة المصرية المختطفة الوافدة لها برهائن وإرهابي "المختطف"، بما يجعل الجانب المصري قادرا على احتواء الموقف دوليا والوقوف على المعلومات الدقيقة عن ما يحدث في قبرص، وتطويق كارثة تهدد بالقضاء على السياحة المصرية!.

إخفاق إعلامي "كالمعتاد"، يتجلى في التسرع في اقتناص سبق إعلامي بنشر اسم شخصية عامة على أنه الخاطف.

كل ما خرج به علينا وزير الطيران المدني شريف فتحي لحل الأزمة أنه متابع جيد لما يحدث هناك!.

كلنا متابعين، سيدي الوزير.

الحكومة مكتفية بتلقي ما يصدر لها من أخبار من الحكومة القبرصية!

نملك جميعنا فضائيات تخبرنا عن تحركات الجانب القبرصي، وما أعلنه رئيس قبرص من حديث لوكالات الأخبار فيما يخص الواقعة "فتش دائماعن المرأة"، معلنا أن عملية اختطاف الطائرة ليس عملا إرهابيا!.

أما طاقم الطائرة فحدِّث ولا حرج، مضيفة يلتقط لها صورة مع الخاطف!، المضيفة الأخرى تلتقط صورة لسائح بريطاني مع الخاطف!، مساعد الطيار يخرج من كابينة الطائرة من النافذة !، فيديو مسرب يوضح الضحك من قبل المضيفات مع الخاطف وتناولهم الشاي والعصير مع الخاطف!.

واقعة هزلية تطيح بالصورة الذهنية للأمن المصري والحكومة المصرية وتغلق آخر باب للسياحة في مصر، حيث خرجت علينا روسيا في نفس اليوم للواقعة التي لم تستمر إلا لساعات قليلة، أعلنت أن روسيا لن تستأنف رحلاتها إلى مصر على خلفية اختطاف الطائرة المصرية بكل سهولة من مطار برج العرب بعد كارثة سقوط الطائرة الروسية في نوفمبر الماضي!.

أين الأمن !

فبعد سقوط الطائرة الروسية وانهيار قطاع السياحة في مصر، أعلنت مصر من خلال وزير السياحة السابق هشام زعزوع استعاناتها بشركة "كونترول ريسكس العالمية" المعنية بمراجعة وتقييم إجراءات الأمن والسلامة والعمليات والمعدات، وصولا إلى تطوير كفاءة عمليات المطارات وأساليب التدريب في مطاري القاهرة وشرم الشيخ "خاصة" كبداية، لتوصيل رسالة طمأنة للعالم بأن مصر آمنة جويا.

فنجد أمن المطار يبث فيديوهات للخاطف منذ دخوله لمطار برج العرب في رحلة داخلية من الإسكندرية إلى القاهرة، متخطيا كل بوابات الأمن دون صافرة إنذر واحدة، مما يدل على أنه لا يحمل ما يهدد أمن راكب غيره وليس أمن طائرة ويغير مسارها.

أمن الطائرة، المتواجد على كل طائرة تحلق في السماء، أين دوره؟، أم هل كان موجودا على الطائرة في الأساس!.

ماذا قدم من تحجيم لذلك المريض الذي قرر أن يرى طليقته القبرصية!.

وكيف تعامل مع أقل ما يوصف به مريض نفسي قرر في آخر لحظة اختطاف طائرة، ألم يرَ أن الحزام الناسف عبارة عن حزام طبي مدجج بقارورات شامبو!.

ألم يدرب على معرفة أنواع القنابل وحجمها وتقنيتها وقوتها وإعطاء تحليل مبدئي للخاطف سواء نفسيا أو عقليا!.

أم عين ذلك الموظف الأمني "بالواسطة والمحسوبية" ولم يتلقَّ التدريب المهني الكافي لجعله عامل أمان فعال على الطائرة وليس للديكور ولا لتكملة عدد وإعطاء مجرد صورة مريحة للركاب!.

هي منظومة قائمة على ربك اللي بيتسر وممكن أي شخص يكون فرد أمن على الطائرة، وما تكبرش المسألة وتصرف على تدريبه.

في البداية، جانب الحكومة الصواب بإمساكها ببوق متحدثة به للعالم شاكية الإرهاب على أرض مصر، مفتخرة بأنها تواجه حربا شرسة مع الإرهاب، لا تعلم أن بسبب صراخها المستمر وتصريحاتها أصبح العالم يرى مصر فاقدة السيطرة على حدودها جوا وأرضا، والدليل تصريحات الحكومة "المفتخرة" بدلا من تكتمها على الوضع النازف للمواجهات مع الإرهاب في سيناء والعريش!.

ثم جاء سقوط الطائرة الروسية في سيناء بعد إقلاعها بثلث ساعة من مطار شرم الشيخ الدولي، الذي أسفر عن مقتل جميع الركاب وطاقم الطائرة وعددهم 224 شخصا، معلنة إخفاق الحكومة في تأمين المطار وحماية الطائرة والركاب وعدم معرفة من أسقطها حتى الآن!.

وانتهى بنا الوضع باختطاف الطائرة المصرية من مطار برج العرب الدولي بالإسكندرية، من قِبل مواطن عادي لا يحمل سلاح ولا يشكل تهديد لطفل حتى يكون مختطف لطائرة بركابها بكل سهولة وأريحية!. 

فالحكومة وتصريحاتها المخيفة للعالم بأننا دولة حاضنة للإرهاب غير قادرة على استئصاله، وبسبب إعلامها "غير المسئول وغير المهني وغير الوطني" المضخم للأحداث رغبة منه في تمجيد موقف الجيش المصري لكنه أصبح كالدب التي قتل صاحبه، فأساء للجيش في تصدير صورة ذهنية راسخة للرأي العام العالمي بفشل المواجهة وسقوط الشهداء من الجنود والضباط، وبسبب ترهل أمني، وعدم تلقي تدريبات حديثة لأفراد الأمن والاهتمام بواجهة مصر المتمثلة في المطارات وتأمينها بما يليق بمكانة مصر، وبما يتناسب مع وضعها الحرج الحالي من هجر السياح لبلد الحضارات الممتدة 7 آلاف سنة مخلفة ثلث آثار العالم في مصر فقط.
 
كان من الطبيعي أن نختم بتساؤلنا المعهود:

"وعاوزة السياح يجوا يا فوزية"؟!.

الجريدة الرسمية