الإعـ(سـ)ـلام السياسى 1
بهدوء وبدون أن يشعر أحد، استطاع الإعلام المصرى الخاص والعام تمزيق الثورة، وكأن الجانبين يعملون معاً وفق خطة وضعها لهم الشيطان لكى يقضوا على الثورة وأجمل ما فيها، فقد استطاع الإعلام المصرى أن يتحول من الداعم الأول والعمود الأساسى فى نظام مبارك، حتى بعد سقوطه، إلى الداعم الأول للثورة فى الفترة التى تلت نجاح الإخوان المسلمين فى الوصول للحكم "لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله".
الإعلام "الخاص" الذى ظل على مدار عام ونصف، وهى المدة التى كان يحكم فيها المجلس العسكرى البلاد، يحاول قمع الثورة والثوار بكل الطرق، بداية من وصف الثوار بأنهم عملاء وتدربوا فى الخارج، وصولاً إلى المخدرات والحشيش والعلاقة الجنسية الكاملة، انتهاء بالفتن الطائفية وإهانة الجيش، وكانت هذة الاتهامات جاهزة لكل من يتحدث بإسم الثورة.
وفجأة .. وبعد نجاح الإخوان المسلمين فى الوصول للحكم، أصبح الإعلام الشريف – لا يوجد إسقاط هنا على تأثر الإعلام بطريقة صفوت الشريف وزير الإعلام السابق – يقف بجانب الثوار فى ميدان التحرير والاتحادية والقائد إبراهيم، بل ويخصص لهم فقرات ضمن حلقات "التوك شو" اليومى، لم أصدق نفسى من الفرحة وأنا أشاهد يومياً الثوار وهم على شاشات القنوات التى كانوا يوصفون فيها بأنهم "بتوع كنتاكى"، لم أتمالك نفسى عندما شاهدت هذه الحلقات ووجدتنى أقول "عدالة السماء نزلت على مدينة الإنتاج الإعلامى".
وتحول المذيعون الفلول إلى أبطال قوميين، منهم من يهاجم النظام بكل قوة مرتدياً عباءة جيفارا – لا أذكر أنه كان يرتدى عباءات – ومنهم من يقدم استقالته على الهواء لمنع من استضافة شخصية ثورية، وتحول كل إعلاميى النظام السابق إلى مجاهدين فى سبيل الله والوطن، ولم يكن ينقصهم سوى الظهور على شاشات التليفزيون بالآلى – الرشاش مش الفينو – مثل هالة المصراتى، ووجدت نفسى للمرة الثانية أصرخ بكل قوة "ياريتنى كنت معاهم"، وتمنيت أن يكتمل المشهد بإنفجار التليفزيون حتى لا أشاهد هذة المناظر مرة أخرى.
وإستغربت جداً ممن يتحدثون يومياً عن الإسلام السياسى ويهاجمونه وهم - الإعلام - أول من وقف ضد الثورة وحاول قتلها، وعلى نفس طريقتهم وتصنيفهم لا يسعنى سوى أن أصفهم بـ "الإعلام السياسى" الذى يوجد به كل الموبقات التى توجد فى التيار السياسى الذى يدعى أنه دينى، الذى قفز هو الآخر على الثورة قفزة كادت تخنق أنفاسها، لولا ستر الله.
أما ماسبيرو، إعلام الحكومة على مر العصور، مهما اختلفت الأحداث والأزمنة والأنظمة، فلنا معه لقاء آخر.