رئيس التحرير
عصام كامل

شطرنج سياسي.. و الملك مصري!


يتابع المصريون بإحساس فرحان حذر سلسلة الضربات المتتالية ضد الجماعات الداعشية الإخوانية، في سيناء، وهي ضربات مؤثرة وكاشفة معا. والحق أن كثافة الضربات وعمقها، تزامن بشكل واضح، مع تقارب أمني خضعت له منظمة حماس في غزة، رغم أن ثلاثة عشر جنديًا من جنود مصر الشرفاء، ضباطا وأفرادا، استشهدوا قبلها بيوم، وهو ما جعل المصريين يربطون بين زيارات وفد حماس الأمني والمصائب والنحس معا، بل أن مجرد فتح معبر رفح، كان بمثابة رسالة ترقب وقلق يتوقع المصريون بعدها انفجارًا وضحايا.


هي حتى الآن ثلاث زيارات منذ استشهاد الثلاثة عشر بطلا، ومن المؤكد أن زيارات سرية ومشاورات ووسطاء سبقت ذلك، ومهدت له، كما مهد له عامل حاسم آخر هو أن الشعب المصري كله، إلا الخونة، بات يصنف حماس جماعة إخوانية إرهابية عضت يد الشعب المصري الذي قدم عشرات الألوف من أبنائه دفاعا عن قضية فرطت فيها حماس.

في الزيارة الثانية، كانت الثمار العسكرية بارزة، وأعقبتها زيارة حتمية إلى خالد مشعل رئيس مكتبهم السياسي اللائذ بحضن قطر، ومن ثم تركيا! ومصالحات في الدوحة محتملة بين عباس وحماس، والقاهرة فيها اللاعب الحاسم أيضا !

عاد الوفد، أبو مروزق، والزهار، أبرز أفراده، إلى القاهرة ووافقوا على كل شروط مصر لكي نفتح الرئة التي سدوها بأعمالهم القذرة ضد الوطن في محنته ونزيفه. أهم طلباتهم كانت فتح المعبر ووقف حملات الكراهية والتشويه ضد المنظمة ! تتصور الجماعة التي أعلنت الطلاق مع الإخوان، وأنا غير مصدق، ولا يأكل هذا الكلام مع الشعب المصري، أن الحكومة هي التي أمرت الناس بكراهية حماس. أفعالكم ونكرانكم وجحودكم ودموية تحالفكم مع الإرهاب، وقذائفكم التي حرفتم مسارها عن إسرائيل لتسقط في بيوت وقلوب المصريين، هي وحدها التي وراء الهجوم عليكم حتى تتوبوا وتتعرفوا أن العدو الذي سلبكم أرضكم وراءكم، وليس أمامكم، إسرائيل وليس مصر.

لن تستطيع الدولة المصرية إسكات أقلامنا ولا إعلامنا عنكم بالأمر، فنحن أحرار، نكتب ما يمليه علينا ضميرنا الوطني ومصلحة مصر العليا، الآن وبعد الآن، ولكن سنتوقف إن قدمتم البرهان على الندم والتوبة والعودة إلى الرشد، فإن عدتم عدنا، والقصة ليست علاقة قلبين لشخصين تخاصما، بل القصة فيها دماء العشرات وجثث المخطوفين، وأنفاق وسيارات مسروقة وتهريب عصابات!

لكن، هل معبر رفح وحده هو السر في تعقل قيادات حماس التي ستبقى إرهابية، حتى نرى بنادقها في اتجاه عدوها الحقيقي؟

الخريطة السياسية والعسكرية في هذا الجزء الدامي من العالم، والمقدس من أرض الوطن، ومن حوله، آخذة في التغير والتبدل، ومرحلة التسويات وشيكة، والعفريت الذي اخترعته أمريكا تلمه جزءا جزءا، بقطع أجزاء، أو دمج أجزاء، حتى تحبسه في القمقم !

كانت حماس اختارت اللعب بين قوتين، هما إيران، وتركيا، ووسيط مرن زئبقي، هو قطر، لاعب نطاط في السيرك العربي والإقليمي، لكنه غني وجامح وعنده عقدة الصالة، وتبارت إيران الشيعة في دعم الإخوان السنة- حماس، كيدا في السعودية السنية، وتبارت تركيا الإخوانية العثمانية السنية في دعم حماس؛ لأنها ضلع رئيسي في فوضى ٢٥ يناير وجلب مرسي أخيهم إلى سدة حكم مصر، ومع فرض قوة الجيش المصري والشعب المصري لحقائق جديدة على الأرض، ومع ثبات الناس على رئيسهم ومن حوله، رغم نقد هنا وهناك، ومع ازدياد الإقرار بالدور المصري وتوجهاته الوطنية واحترامه لالتزاماته الدولية، بدأت المراجعات، لكني أحسب أن جيوش المهاجرين من سوريا إلى أوروبا واستغلال داعش لتمرير خلايا قاتلة بينهم، فضلًا عن إيقاظ الخلايا الناعسة في أوروبا وكندا ونيويورك وأستراليا وتفجيرات برلين وباريس وبروكسل، جعل الغرب يدرك أن استقرار مصر أمن قومي له في المقام الأول !

أدركوا أن النار التي أشعلوها ببيوت الجيران امتدت ألسنتها بالخراب والدمار إلى بيوتهم.

في هذا الإطار، ومع دخول الأزمة السورية مراحل من التسوية، والأزمة اليمنية في العاشر من أبريل القادم تبدأ مرحلة وقف النار والتفاوض مع السعودية المناوئة لإيران في سوريا وإيران مناوئة لها في اليمن، ومع دخول حكومة السراج الليبية إلى العاصمة طرابلس، تمهيدًا للموافقة على رفع حظر تسليح الجيش الليبي، لقتال داعش عدو الأرض، أقول مع كل هذه الاعتبارات، يمكن فهم سحب حماس من عباءة الإخوان مؤقتا على الأقل وفهم أبعاد وعواقب زيارة سامح شكري وزير الخارجية إلى كيري وتصريحات الأخير عن دعم أمريكا لمصر في مكافحة الإرهاب، وكذلك تصريحات وزير الداخلية الألماني في زيارته لمصر عن دور مصر المحوري في استقرار المنطقة، ومن ثم أوروبا.

تلك هي تفاصيل المقدمات التي قادت حماس لفهم أن إشعال النار في مصر، لم يعد يفيد من يحركها، بل سيلحق بهم حرائق أفدح.

ومصر تلعب بذكاء واحتراف، وتعرف متى تبرز ورقة ومتى تواريها.. وركزوا في ورقة التمويل الأجنبي، وقبلها ورقة ضلوع حماس في اغنيال الشهيد هشام بركات.

وإن عدتم عدنا.
الجريدة الرسمية