رئيس التحرير
عصام كامل

«رؤيا حكيم محزون»


انتصارات الأمم تتحقق دائمًا بالحرية والعدل.. وتأتي الهزائم والانكسارات مع التسلط والقمع والكبت والتضييق على الحريات.
 والدكتور جابر عصفور في دراسته الرائعة عن شعر صلاح عبد الصبور يقول: "أتصور أن إيمان صلاح عبد الصبور بالإنسان كان دافعه إلى تجسيد النجمين اللذين تضيء بهما حياة هذا الإنسان حتى في لحظات عمره القصير فوق الأرض لا تحتها.. هذان النجمان هما الحرية والعدل..


ولم تشغل هموم العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو العلاقة بين المثقف والسلطة شاعرًا مثلما شغلت صلاح عبد الصبور الذي جعلها هاجسًا ملحًا في قصائده، وقد تصاعد هذا الهاجس بعد هزيمة 67 التي أرجعها الشاعر إلى غياب الديمقراطية وغلبة الدولة التسلطية التي تحكمها نخبة لا تؤمن بالحوار أو حق الاختلاف أو حرية التعبير والفكر، وهو الأمر الذي اضطره إلى الاختفاء وراء الرموز والأقنعة ليوصل ما ظل يؤمن به من أن الديمقراطية هي الترجمة السياسية لاحترام وجود المواطن.

وتتلخص رؤية شاعرنا كما يقول عصفور في أن شخص الزعيم الأوحد لا يقبل اختلافًا أو خروجًا على ما يراه، فالمواطنة الحقــة هي الإجماع والتصديق والإذعان لهذا الحاكم الذي يقود أمتــه إلى كارثة حتمًا..

وفي مأساة الحلاج يقول:
ليس العدل تراثا يتلقاه الأحياء عن الموتى
أو شارة حكم باسم السلطان إذا ولي الأمر كعمامته أو سيفه
العدل مواقف
العدل سؤال أبدي يطرح كل هنيهة
فإذا ألهمت الرد تشكل في كلمات أخرى
وتولد عنه سؤال آخر يبغي ردًا
العدل حوار لا يتوقف

"رؤيا حكيم محزون.. قراءات في شعر صلاح عبد الصبور" تشعر أن جابر عصفور لا يتعمق في إبداعات الشاعر فحسب، لكنه يكشف ما في أعماق ملايين المصريين الآن الذين يحلمــون بالحرية والعدل ولا يجدونهما تمامًا كما حدث لصلاح عبد الصبور.. وإذا كان "الحلم جنين الواقع" كما يقول ناقدنا الكبير.. فإن واقعنا وأيامنا حبلي بالتسلط.. فلا مجال إذًا لانتظار أن يتحقق حلم الديمقراطية!!
الجريدة الرسمية