بالفيديو والصور.. «فيتو» داخل متحف الحضارة المغلق منذ 27 عاما.. أعمال الترميم «وهمية» والمكان تحول لـ«مقبرة فنية».. «أبوالمعاطي»: «حسن علام» تنتظر الم

27 عاما هو عمر إغلاق متحف الحضارة، الكائن بساحة دار الأوبرا المصرية، والذي أكد بيان الحكومة أمام البرلمان، اليوم، الانتهاء من ترميمه وافتتاحه جزئيًا خلال هذا العام.

ومتحف الحضارة هو واحد من أهم المتاحف في الشرق الأوسط، وقد لُقب قديمًا بـ "لوفر الشرق" لما يملكه من لوحات ومقتنيات نادرة، حيث جمعت فيه الدولة المقتنيات الفنية التابعة للقصور الملكية لأسرة محمد علي، بعد ثورة يوليو، وتم افتتاحه في 25 أغسطس 1957.

إلا أن المكان الآن تحول بالكامل إلى "مقبرة فنية"، فقد تحول المبنى من الداخل إلى أطلال تبكي على زمان مجدها الذي دفن، واستطاعت "عدسة فيتو" الدخول إلى المتحف لتصوير وضعه الحالي، إلا أن ما التقطته الكاميرا كان أكثر بؤسًا من نقل الصورة كاملة، فأعمال التطوير التي نسمع عنها منذ 27 عامًا متوقفة تمامًا، ولا وجود لشيء إلا بعض ركام الأعمال الهندسية والتطويرية التي كانت تقوم بها الشركة المختصة، وبعض الحراس الذين يتناوبون على حراسة المتحف من الخارج، حتى يتسنى لهم منع أي شخص من أن يدلف إلى بوابة المتحف، حيث "القفل الكبير" الموجود على بابه.

الإغلاق
"4288 قطعة" هي مجموع مقتنيات المتحف القابعة الآن في مخازن الجزيرة منذ إغلاقه عام 1989، عندما قرر فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق عام 1988 بناء متحف كبير للحضارة بأرض المعارض بالجزيرة في مبنى القبة السماوية، وفي عام 1989 وصل وفد من 3 خبراء فرنسيين من اللوفر لإعداد دراسة شاملة حول التصنيف والتوصيف الوثائقي للمحتويات الفنية النادرة بمتحف الجزيرة، وتحديد الأعمال المقترح ترميمها، ليكتشفوا ثروة كاملة من اللوحات والمقتنيات تم تخزينها في مخازن الدور الأرضي بالمتحف منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنه تم تغيير وجه المتحف إلى منطقة الفسطاط بناء على طلب اليونسكو، وبقي متحف الجزيرة مغلقًا من وقتها، لأعمال التطوير التي استلمتها شركة حسن علام للمقاولات.

مشكلات الميزانية
وقال حمدي أبوالمعاطي، نقيب التشكيليين، في تصريح سابق: "إن أعمال التطوير توقفت في المتحف منذ فترة طويلة، بعد الانتهاء من المرحلة الأولى فيه، وهي سينما الحضارة ومخازن الجزيرة التي تم نقل مقتنيات المتحف إليها، وذلك لنقص الدعم المالي والتمويل من قبل الدولة"، مشيرًا إلى أن المبالغ التي تم صرفها على المشروع حتى الآن تقدر بـ50 مليون جنيه، وتم رصد موازنة أخرى تقدر قيمتها بـ45 مليون جنيه، لاستكمال العمل، إلا أن الوزارة تنتظر إعتماد ميزانية العام الجديدة، لتصل تكلفة المشروع إلى 95 مليونا.

وأكد أبوالمعاطي، خلال تصريحه لـ"فيتو"، أن شركة حسن علام للمقاولات ستعمل على إنهاء المشروع خلال عام واحد بعد استلام الميزانية الجديدة، مشيرًا إلى أن مقتنيات المتحف في أمان داخل المخازن، ولا نية لإخراجها للاستثمار أو العرض في متاحف أخرى، حتى انتهاء عملية التطوير.

اللوحة المسروقة
لا يقف الوضع عند هذا الحد من الأريحية المتناهية عن تأمين المخازن، فلطالما تم تأمين المخازن والمتاحف التابعة للوزارة لنفاجأ فيما بعد بأنه تم سرقة مقتنياتها أو استبدالها، ولمتحف الجزيرة تجربة سابقة مع سرقة إحدى لوحاته قبل إغلاقه، في ستينيات القرن الماضي تحديدًا في 15 مارس عام 1967، حيث تم سرقة لوحة "ذات الوجهين" التي يقدر ثمنها بـ60 مليون دولار للفنان العالمي البلجيكي روبنز، وكانت اللوحة من أملاك الملكة نازلي والدة الملك فاروق، لتكتشف إدارة المتحف بالصدفة أن اللصوص وضعوا لوحة أخرى مكانها من نفس لوحات المتحف، واتضح فيما بعد أن مكان اللوحة في شارع الهرم ومدفونة ضمن أرض أملاك "عباس حلمي"، وقريب من ملهى "التورنج"، كما كتب اللصوص أنهم سرقوها للفت النظر لمدى الإهمال في المتاحف الفنية!.

مقتنيات المتحف
وتتمثل مقتنيات المتحف في مجموعة كبيرة من الزجاج البوهيمي ذي الطابع الشرقي في التذهيب، ومجموعة زجاج إسلامي صناعة مصر من القرنين الحادي عشر والثامن عشر الميلاديين، ومجموعة أخرى من الزجاج الروماني والزجاج الفرنسى، إضافة إلى الخزف الإسلامي (المصري والإيراني والدمشقي والبخاري) والخزف الإغريقي والروسي والتركي والبورسلين الصيني، من مختلف العصور.

أعمال عالمية
كما يضم المتحف مجموعة كبيرة من النسيج القبطي من القرون الخامس والسادس والسابع الميلادية، ومجموعة من النسيج الإسلامي وسجاد صناعة إيران وأصفهان وخراسان وسمرقند، كما يوجد به جوبلان بلجيكي من القرن 18، وجوبلان فرنسي من القرن 19م، بالإضافة إلى مجموعة تحف معدنية عبارة عن شمعدانات ومباخر وصوانٍ تنتمي للعصر المملوكي في مصر وأماكن أخرى كالموصل والصين، وكذلك يحوي متحف الجزيرة مجموعة فريدة من اللوحات والتماثيل من خامات مختلفة للفنانين الذين يمثلون رموزًا لمختلف المدارس الأوروبية من أمثال: رودان، ديلاكروا، مونيه، ديجا، رينوار، روبنز، كونستابل، بيكاسو، هنري ماتيس بلوحته الشهيرة سيدة شرقية في مخدعها بنحو 120 مليون دولار.

استثمار اللوحات
30 مليار دولار هو مقدار ما يمتلكه المتحف من مقتنيات، فلا عجب في أن قاد بعض الفنانين قبل الثورة حملة تطالب ببيع تلك المقتنيات لسداد ديون الدولة، إلى أن أصدر فاروق حسني بيانًا يعلن فيه أن مقتنيات المتحف لن تباع، ولن يتم التفريط فيها لأي سبب.

وكان عماد الشريف، مدير المتحف، قد اقترح أن يتم الاستفادة من المقتنيات بدلًا من تركها في المخازن، واستثمارها لإدخال عائد مادي كبير يساعد في إنهاء أعمال التطوير، إلا أن هذا الاقتراح لم يلقَ الكثير من الترحيب، على الرغم من سفر بعض اللوحات إلى الخارج للمشاركة في معارض عالمية، مثل لوحة "زهور" التي يقدر سعرها بـ70 مليون دولار للفنان العالمي روجين دو لاكروا، التي خرجت للمشاركة في أحد معارض إيطاليا ضمن خمس لوحات كان من بينها "زهرة الخشخاش" - التي تمت سرقتها في وضح النهار - ما أحدث ضجة كبيرة في إيطاليا وكانت الجماهير تمتد لـ10 أمتار على باب المعرض لمشاهدة اللوحات.

القبة السماوية
لم يكن المتحف ومقتنياته وحدها هو ما عانى طوال السنوات الماضية، حيث يحتوي المتحف على مبنى "القبة السماوية"، والتي كانت تستقبل الجمهور من جميع أنحاء العالم حتى عام 1988، وكانت تقدم مجموعة من العروض الفلكية الشيقة، التي حرم منها الجيل الحالي، وتدور الأنباء عن أنه تم نقل جهاز التشغيل "بروجيكت" إلى قبة مكتبة الإسكندرية، حيث تبث العروض هناك.