سياسة السعودية بعد الانسحاب الروسي من سوريا
قبل نحو سنة أطلقت المملكة العربية السعودية عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، ولكن حتى الآن لم تحقق العملية أهدافها المنشودة، وفي الوقت الحالي تعلق الرياض آمالها على تحالفات وتوجهات دبلوماسية جديدة.
"رعد الشمال"، هو الاسم الذي أطلقته السعودية على المناورات العسكرية التي بدأتها بشراكة مع التحالف الإسلامي منذ منتصف فبراير، وقد تم تنفيذ هذه المناورات في محافظة حفر الباطن شمال شرق السعودية، قريبا من الحدود العراقية وليس بعيدا عن مياه الخليج بضفتيه الإيرانية والعربية، وقد شارك في هذه المناورات أكثر من 150 ألف جندي من 20 دولة.
وبالإضافة إلى بلدان شبه الجزيرة العربية، يضم التحالف الإسلامي بلدانا آسيوية مثل باكستان وماليزيا، إضافة إلى دول من أفريقيا منطقة جنوب الصحراء مثل موريتانيا والسنغال والسودان.
ومن شمال أفريقيا تشارك كل من تونس والمغرب ومصر في هذا التحالف الجديد. الهدف الأساسي من هذا التحالف، حسب المراقبين، هو إظهار أن الدول السنية في العالم متحدة سياسيا بشأن القضايا الرئيسية.
وأما الأهداف السياسة المشتركة للتحالف الإسلامي فتركز على أمرين معلنين، الأول هو محاربة الجماعات الجهادية الإرهابية مثل تنظيم"الدولة الإسلامية" والقاعدة، والثاني يكمن في إظهار نوع من الوحدة في مواجهة إيران، التي يعتبر التحالف أنها تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة.
صراع من أجل النفوذ، ويتركز هذا الصراع الإقليمي في الوقت الراهن على دولتين رئيسيتين هما سوريا واليمن، ففي اليمن، تقود المملكة العربية السعودية منذ نحو سنة تحالفا عسكريا، أطلقت عليه اسم"عاصفة الحزم"، وهو اسم قد لا يتطابق مع واقع النتائج والأهداف التي رسمتها المملكة العربية السعودية لهذه العملية.
وقد أرادت المملكة العربية السعودية من خلال هذه التدخل العسكري تقديم الدعم للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي طرد في فبراير من قبل مسلحي الحوثيين من العاصمة صنعاء فلجأ إلى مدينة عدن في الساحل الجنوبي، وبما أن الحوثيين يعدون حلفاء لإيران، فإن الرياض تخشى من زيادة نفوذ طهران في شبه الجزيرة العربية.
ولهذا فإن احتدام الصراع في اليمن يعكس أيضا حجم التوتر السياسي بين القوتين الإقليميتين، وقد زاد هذا التوتر بشكل ملحوظ بعد أن تمكنت إيران من التوصل إلى اتفاق دولي بشأن برنامجها النووي، بالإضافة إلى ذلك فإن رفع العقوبات على إيران وعودتها بقوة للساحة الاقتصادية مع ارتفاع متوقع في حجم الصادرات، قد تستغله إيران في تعزيز نفوذها في المنطقة، حسب القراءة السياسية السعودية، التي تقول إن إيران قد تستخدم العائدات المالية المتوقعة في تمويل مسارها التوسعي في المنطقة، ويمكن ملاحظة ذلك حاليا من خلال الحرب في سوريا واليمن، حسب التفسير السعودي.
علاوة على ذلك، فإن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن التدخل في شئون المنطقة، يجبر المملكة العربية السعودية على تولي القيادة بنفسها في المنطقة، حسب الإعلامي حسين شبكشي الذي كتب قبل أيام قليلة في صحيفة الشرق الأوسط: "المملكة العربية السعودية تعلم بسبب مكانتها في العالم العربي والإسلامي أنها لن ترضى أن تقف مكتوفة الأيدي وتلعب دور المتفرج أمام العواقب المترتبة عن القضايا الأمنية والاضطرابات السياسية التي تعيشها المنطقة".
ولكن من جهة أخرى يبدو أن المملكة العربية السعودية تواجه صعوبات عسكرية للنجاح في هذه المهمة، فعلى الرغم من أن الجيش السعودي يضم نحو 230 ألف مقاتلا، و"لكن هذا الرقم لم يعد كافيًا، إذا تدخلت الرياض في العديد من العمليات العسكرية في اليمن والبحرين وربما في سوريا وغيرها من البلدان"، حسب ما جاء في موقع مجلة المونيتور الإلكترونية.
وفي الواقع، لم يحقق التدخل العسكري السعودي في اليمن نجاحات على الأرض، إذ لا زال الحوثيون يسيطرون منذ عدة أشهر على عدة مناطق، حتى قرب الحدود السعودية، وحتى الآن لم تتمكن قوات الرئيس منصور هادي والتحالف السعودي من إضعاف الحوثيين، الذين يسيطرون أيضا على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة في شمال البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أصبحت مدينة تعز جنوب البلاد رمزا للمعركة بين مختلف الأطراف، إذ تعيش هذه المدينة المحاصرة من قبل الحوثيين منذ عدة أشهر، على واقع القصف والتجويع.
وفي هذا الصدد قال مدير مستشفى محلي لمجلة المونيتور: "منذ أحد عشر شهرا يعيش سكان المدينة تحت القصف اليومي من قبل الحوثيين وحلفائهم".
وأضاف مدير المستشفى: "إن هناك نقصا في جميع المواد الطبية، كما اضطرت 37 من المستشفيات ومرافق الرعاية الطبية إلى إغلاق أبوابها، وقد دفع القصف اليومي نحو ثلثي سكان المدينة، أي ما يقرب من 600 ألف شخص إلى مغادرتها".
ويشكل هذا الرقم جزءا من نحو 2.4 مليون نازح يمني داخل البلاد، حسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، بالإضافة إلى نحو 8 آلاف قتيل؛ بسبب الحرب.
من جهتها تبذل المملكة العربية السعودية جهودًا دبلوماسية لكسب مزيد من الحلفاء، ففي نهاية يناير استقبل الملك سلمان وفدًا رفيع المستوى من تركيا، ضم أهم الوزراء وترأسه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، وبالإضافة إلى التوقيع على اتفاقيات تجارية، تركزت المحادثات على إيجاد خط سياسي مشترك بين البلدين.
من جهته انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوجه الإيراني الجديد بعبارات واضحة في مقابلة في شهر مارس 2015 مع تليفزيون فرانس، في الوقت نفسه دخلت المملكة العربية السعودية في حوار مكثف مع روسيا، التي انسحبت عسكريا من سوريا، وهي إشارة فسرها البعض أن موسكو ليست مستعدة للتمسك ببشار الأسد حتى النهاية مهما كان الثمن.
وعن هذه الخطوة كتبت المحللة السياسية راغدة درغام في صحيفة الشرق الأوسط: "الدبلوماسية الروسية أرسلت إشارة للدبلوماسيين في الخليج بأن موسكو مستعدة أن تفتح صفحة جديدة في الصراع السوري".
وأضافت "درغام": "إن الروس ينتظرون من دول الخليج المزيد من التعاون لمكافحة الإرهاب والجماعات الجهادية الأصولية ".
وفي نفس الوقت يعتبر الانسحاب العسكري الروسي إشارة لإيران، مفادها أن روسيا ليس لديها مصلحة في تعزيز تحالف شيعي يضم إيران وسوريا والعراق وحزب الله، وهي إشارة من شأنها أن تساهم في تخفيف المخاوف السعودية.
التطور المهم الآخر هو بروز أمل جديد في إنهاء الصراع في اليمن، حسب ما أعلن، المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي كشف في تصريح له في 21 مارس بأن الأطراف اليمنية وافقت على إجراء محادثات في الكويت بهدف الوصول لحل سياسي وتشكيل حكومة وحدة.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل