وداعًا.. القاهرة التي كانت جديدة
القاهرة الجديدة تتقادم سريعا.. تتقادم ليس بالتاريخ ولكن بمظاهر الشيخوخة.. نعم القاهرة الجديدة «تشيخ» مبكرا.. تجاعيد الإهمال ترسم أبرز ملامحها الآن.. سرطان الفساد يسبح في شوارعها.. ينهش الأسفلت.. يأكل الخضرة.. كل مظاهر الجمال تتلاشى.. الوجه القبيح للبيروقراطية يطل عليك من كل ميدان.. مخلفات البناء تغطي وجه الغابة الحجرية.. تقضى عليها.. تخنقها.. تنسف تاريخًا جيولوجيًا هو الأهم على مستوى العالم.
كل الطرق تؤدى إلى قاهرة جديدة محاصرة بالإهمال.. بنفس الوجوه العفنة التي أدمت قاهرتنا القديمة.. قاهرتنا التي كانت قاهرة فأضحت مقهورة.. قاهرتنا التي كانت تاريخية فأصبحت تاريخا من العبث.. وها هي القاهرة الجديدة تقهرها أنياب الفساد ذاتها صاحبة التاريخ الأبدى في بلادنا.
القاهرة الجديدة ليس بها جراج عمومى واحد.. مساحات الخضرة تتآكل.. أسوار الغابة الحجرية تهدم تحت سمع وبصر الراغبين في الاستيلاء عليها.. وتحظى القاهرة الجديدة بحصولها على المركز الأول في الحفر.. نعم في القاهرة الجديدة حُفر تستوعب سيارات، بل واستوعبتها.. هناك حُفر ابتلعت سيارات، أما الأسفلت فإن الجزر المنحوتة فيه هي أبشع مستندات الفساد ضد المتلاعبين بكل شيء في بلادى بدءا من الطريق، وليس نهاية برغيف السوس والدود.
الكثافة الطلابية بمدارس القاهرة الجديدة ١٠٣ تلاميذ.. المدارس نفسها تحولت إلى بؤر للعفن الحكومى المترامى الأطراف.. بالقاهرة الجديدة مستشفيان حكوميان، أحدهما خصصه معهد السرطان للثدى، والآخر لا يتحمل ما تنتجه إصابات عمال البناء اليومية في كافة المواقع.. ثم ما الذي يجعل مسئولي القاهرة الجديدة مشغولين بعمال البناء أو بالشباب أو بمتوسطي الدخل في مدينة الأثرياء.. في القاهرة الجديدة لا يوجد سرير عناية مركزة حكومي.
مخالفات البناء في القاهرة التي كانت جديدة على «عينك يا تاجر»، ففى الوقت الذي كانت تصدر فيه أحكام بالحبس على من يضع ألوميتال ببلكونته أصبح بناء الأدوار فوق الفيلات والعمارات مشهدا طبيعيا فوق كل بناية.. الباعة الجائلون أصبحوا دولة داخل دويلة القاهرة الجديدة، بالمناسبة.. الداخلية قالت لحكام القاهرة الجديدة: إنها لا تستطيع مواجهة الباعة.. أي والله.. ودائع الصيانة التي دفعها السكان قبل وصولهم لا دليل على وجودها؛ فالمساحات الخضراء تهجر المدينة.
في القاهرة الجديدة لا يوجد مركز ثقافي واحد، ولا ما يشير من قريب أو بعيد إلى أنها تابعة لجمهورية مصر العربية، وبالتالى يصبح من حق سكانها وصول المدد الثقافى عبر وزارة يطلق عليها وزارة الثقافة.. أما مراقبة الشوارع بالقاهرة الجديدة فإنه قد خصص لها ٦٠ مليون جنيه، غير أن مسئول وزارة الداخلية الذي وقع البروتوكول «مشى»، وبالتالى فإن السادة المسئولين عن منفى القاهرة الجديدة قد أكلوا البروتوكول وشربوا «ميته»!!
شركات النظافة.. حدث ولا حرج.. الارتكازات الأمنية فاكهة نادرة الوجود مثل المشمش.. ومن تفردات القاهرة الجديدة أن لصوصها تخصصوا في سرقة «جنوط السيارات».. تخصص نادر يشير إلى حداثة المدينة المستقبلية العظيمة.. أيضا لا أحد يعلم حتى تاريخه، من هو المسئول عن منح شركة إعلانات واحدة حق الامتياز بميادين المدينة كلها لمدة عشر سنوات، وبمبلغ قدره ٨٠ مليون جنيه.. تصوروا حق الامتياز الإعلانى بالقاهرة الجديدة كلها بـ ٨٠ مليون جنيه لمدة عشر سنوات.. يا مثبت العقل في الدماغ يااااارب.