رئيس التحرير
عصام كامل

التعديل الوزاري


بدأ الكلام عن التعديل الوزارى منذ أن أقسم الوزراء في حكومة المهندس شريف إسماعيل اليمين الدستورية أمام الرئيس... نعم منذ اليوم الأول... فمن الناس من قال إنها وزارة مؤقتة يجب عليها الاستقالة بعد انتخاب مجلس النواب بما أن الدستور ينص على تكليف الرئيس للحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية، ومن الناس من قال إنها فرصة للوزراء فمن يثبت فيهم كفاءة فسوف يقدم أوراق اعتماده سواء للرئيس أو للبرلمان..


وكما لم نفهم أسباب اختيار المهندس شريف إسماعيل حينها لرئاسة الوزراء كونه متخصصًا في مجال البترول ولم يعرف عنه أي انخراط في عمل عام أو سياسي أو اهتمام بالاقتصاد مشكلة مصر الأهم والأكثر خطورة وإلحاحًا وثارت الشائعات والتساؤلات عن وجود أشخاص فاعلين بعيدًا عن الأضواء بل طرحت أسماء محددة تقوم بواجبات غير معلنة.. وكما جاء اختيار رئيس الوزراء كان اختيار الوزراء فبعيدًا عن الوزارات السيادية لم يكن واضحًا كيفية أو معايير اختيار الوزراء للوزارات الخدمية التي تعانى تدهورًا كبيرًا في كل نواحى الخدمات، فلم نعلم عن أي وزير تم اختياره أي مشاركة سابقة في العمل العام بمجال وزارته أو امتلاكه رؤيــة واضحة وعلمية وموضوعية تم على أساسها اختياره.

لم يكن معروفًا حتى عدد الوزراء فكل يوم تخرج أفكار بفصل أي هيئة لتكون وزارة منفصلة تارة للسكان وتارة للتعليم الفنى وتارة للبحث العلمى والإعلام والتعليم العالى، وغير ذلك من الأفكار المؤقتة غير المدروسة التي تزيد من إهدار المال العام والبيروقراطية حتى تضخمت الحكومة إلى أكثر من 35 وزارة، بينما تتحدث الدول العظمى والتي تفوقنا عددًا وثروة عن عدم زيادة الوزارات على 25.

والخلاصة وبصراحة لنكون واضحين مع أنفسنا فإن الاختيارات تتم تبعًا للعلاقات الشخصية ورضا الأجهزة الأمنية وليس شيئًا آخر.. لا توجد سياسة واضحة للحكومة قبل تشكيلها ولا خطة تنفيذية ولا غير ذلك، مما هو مطلوب لإدارة الدولة.

الحقيقة أنه ليس واضحًا ما هي وظيفة الحكومة وكأن الحكومات في مصر كلها لتسيير الأعمال بحل ما يظهر من مشكلات ومواجهة ما يحدث من طوارئ مع إعطاء شكل إصلاحى بتنفيذ بعض المشروعات لتحقيق بعض الإنجاز.. وحتى أكون منصفًا أستثنى من ذلك وزيرًا واحدًا هو الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، وبالمناسبة ليس بينى وبينه سابق معرفة شخصية أو حتى لقاء ولا أعتقد أنه يجمعنى به غير حب هذا الوطن...

كل ما أعرفه أن الكهرباء كانت تنقطع في منزلى بل فى المستشفى التي أعمل به قبل توليه ثم سمعت خطابًا للرئيس كان في نظري أفضل ما تكلم به الرئيس منذ بدء ولايته، حيث تكلم عن حجم ونوع المشكلات الموجودة والخطة المستهدفة لحلها وجدولها الزمني ودراسة الجدوى والاعتمادات المالية المطلوبة وخلال شهور ودون أضواء إعلامية ولا سيل من الأحاديث الصحفية والسجالات السياسية رأيت عمله في توافر الكهرباء ليلا ونهارًا في الصيف والشتاء وتمنيت لو استطعت مساعدته فلم أجد إلا تغيير كل لمبات بيتى إلى لمبات فائقة التوفير مساهمة رمزية له فيما يفعل وتمنيت لو أنهم يستطيعون استنساخ مثل هذا الرجل ليصنعوا منه عددًا لباقي الوزارات.

وللأمانة العلمية أعبر عن تقديري لما يحدث من إصلاح ومد للطرق رغم عدم وضوح الرؤية حول الخطة وأهدافها ومعالجتها المشكلات المجتمعية الحالية وأهمها على الإطلاق البطالة وضآلة الإنتاجية.

الوزير يا سادة مهمته هو توجيه المؤسسات لتنفيذ برنامج الحكومة والتدخل لتذليل العقبات التي تعوق التنفيذ وهى وظيفة سياسية بالمقام الأول... وإذا لم يكن هناك خطة تنفيذية واضحة ذات جدوى اقتصادية وجدول زمنى فمن الصعب أن نتكلم عن الموضوعية في اختيار الوزراء.

لهذا لم يكن غريبًا ألا نعلم حدود التعديل الوزاري ولا الهدف منه ولا الوزراء المستعبدين ولا الصفات المطلوبة في الوزراء الجدد المطلوبين لتحسين أداء الحكومة، وجاءت سرية المشاورات لتضفى مزيدًا من الغموض والجدل على العملية السياسية برمتها خاصة في وجود البرلمان المعطل منذ أكثر من شهرين عن العمل التشريعى والرقابى بحجة عدم استكمال اللائحة والتي لم تكن عائقًا، أما تشكيل لجان مؤقتة لتمرير القوانين التي صدرت قبل انعقاد البرلمان.

هل سقط حق البرلمان في عرض أي تعديل وزاري عليه كما تنص المادة 147 من الدستور "ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس" ولا تقنعنى كل المبررات التي ساقها بعض أعضاء البرلمان في تنازلهم عن حق أصيل في مناقشة والموافقة على أي تعديل حكومي بحجة عدم عرض الحكومة لبيانها، فبيان الحكومة يقدم سنويًا للبرلمان ولا يمكن اتخاذه كحجة للسماح بالتعديلات الوزارية بعيدًا عن رقابة البرلمان وموافقته خصوصًا بعد تفسير مواد الدستور بعدم ضرورة استقالة الحكومة بعد انتخاب البرلمان.

نحتاج إلى إعادة ترتيب البيت.. نحتاج إلى تفعيل المجالس المستقلة التي تضع خططًا استراتيجية بعيدة المدى لا تتأثر أهدافها بتغيير الوزراء والحكومات.. نحتاج إلى تفعيل دور البرلمان الذي جمد نفسه بحجة اللائحة الداخلية مديرًا ظهره لكثير من القضايا، ومنها ما يمس الأمن القومى متخليًا عن دوره في الرقابة والتشريع طوال الشهرين الماضيين وتفرغ أعضائه للمشاحنات والتلاسن، واليوم يتخلى عن دوره في الرقابة على تشكيل الحكومة الذي تغير بتعديل وزاري لم يعرض على البرلمان.

أتمنى أن نتعلم من دروس الماضي فلا نحول مؤسساتنا إلى مؤسسات شكلية أو صوتية بل مؤسسات دستورية فاعلة ومتعاونة هدفها واحد وهو إعادة بناء الدولة التي صابها ما أصابها من السياسات الشمولية والديمقراطية الشكلية.
الجريدة الرسمية