أسبوع الدكتور (سعد)!
قد يبدو العنوان لائقًا أكثر بفيلم مهروس أو بمُسلسل مُمل، أنت لم تُخطئ، والحقيقة أن ما بدا لَك سليمًا للغاية، والمقال باين من عنوانه تمام زى أسبوعنا هذا الذي أوشك على الانتهاء ولله الحمد!
ولقد بدأنا هذا الأسبوع البائس وبلا رحمة بُمتابعة مُبادرات الدكتور (سعد الدين إبراهيم) والتي لا تنتهى من أجل التصالُح مع جماعة الإخوان الإرهابية، وقد دأب حضرته على تكريس حياته لهذا الفعل لوحده رغم ما يواجهه من رفض رسمى وسخط شعبى وفشل دائم، ما يجبرنا على طرح سؤال: ما هي الاستفادة المُباشرة الصريحة والثمينة التي سيجنيها (سعد) لا من إنجاح مُبادراته الخيالية تلك فهى لن تنجح، وإنما من مُجرَّد طرحها بذلك الإلحاح والتشبُّث بها بتلك القوة؟!
وأرجوك لا تُحدثنى-على لسان الدكتور-عن مصلحة البلد، ومُستقبل الوطن، وأمراض المُجتمع، ومصير الحى يتلاقى، والمصارين في البطن بتتخانق؛ فالمصارين لما بتتخانق في البطن آخرها تعمل غازات كريهة الرائحة تزول بعد ثوانٍ من انطلاقها، أو تُطلق أصوات ضجيج مؤقتة لا ضرر منها إلا نقض الوضوء وما أكثر الماء بعد ذلك، لكن عُمرنا ما سمعنا عن مصارين لما اتخانقت قامت قعدت تشتغل في تخريب وتقسيم وتفجيرات إرهابية تقتل بيها العشرات من أبناء نفس الوطن مثلًا!
ولا أعرف أنا أو تعرف حضرتك أو يعرف طارح المُبادرة ما جدواها بالضبط، وكيف يستقيم للدولة أصلًا أن تجتمع في سيرة واحدة مع عصابة إرهابية، أو ربما كان حضرته يعرف لكن عامل نفسه مش واخد باله لزوم إتمام الواجب المطلوب، ومن ثم الحصول على عشرة من عشرة في الكُراسة أو في الشيك؛ فلم نسمع سابقًا عن صُلح بين دولة وبين عصابة غسيل، أو عصابة قُطاع طرق، أو عصابة من مُهربى الهيروين، فكيف الحال مع عصابة قتل وإرهاب وسفك دماء، بالإضافة لسعيها الدؤوب ـ الذي لا يختلف عن سعى حضرة المُبادر ـ للمُساعدة في حصار مصر اقتصاديًا عن طريق ضرب السياحة، والإضرار بالبنية التحتية (لا تنسى تفجيرات محولات الكهرباء وحرق القطارات والأتوبيسات)؟!
وما حدث هو أن (سعد الدين إبراهيم) يُطالب السُلطة بالعودة للشعب واستبيان رأيه حول إجراء الصُلح من عدمه، وبعيدًا عن أن السُلطة دى جابها الشعب أصلًا سواء بثورة يونيو التي أطاح خلالها نفس الشعب بعصابة الإخوان أو بالانتخابات التي تلت الثورة، وبالتالى فإن رفض السُلطة لمبدأ طرح هذا الهُراء أصلًا للنقاش هو بمثابة استجابة تلقائية وطبيعية جدًا لرغبة الشعب نفسه، فإن الكارثة كانت في مُصادرة حضرته حتى لحق السُلطة أو مجلس الشعب ذات نفسه في الرَد مُطالبًا باللجوء لاستفتاء شعبي على مُبادرته الغريبة أو بالأصح الغربية القادمة من بلاد عمه (سام) أو خاله (سام) مش فاكر صلة القرابة بالضبط، وهو أمر لو وافقنا عليه النهاردة، فسيكون علينا غدًا-كشعب-أن ننزل للمُشاركة في الاستفتاء الذي يطرحه الأستاذ (بيومى عمر) بخصوص الصُلح مع (شلاطة) النشَّال، وننزل تانى بعد بُكرة للمُشاركة في الاستفتاء الذي أصر عليه الأسطى (سلامة عبد العال) السبَّاك الذي يُمارس الديمقراطية أثناء تركيب مواسير الصرف الصحى (المجارى يعنى) في عمارة الحاج (جمعة الدالى) الجديدة، وما إذا كان الأصلح هو الاستعانة بمواسير الزهر القديمة، أم اللجوء للمواسير البلاستيك!
ولماذا لجأ (سعد) لاختيار الاستفتاء الشعبى بدلًا من اللجوء للبرلمان مثلًا؟ يقول الرجُل إن مجلس النواب لا يُمثل 25% من المصريين، طيب من أين لنا ضمان مُشاركة 20% من المصريين في استفتاء حضرتك؟ هل سيتم توزيع دولارات على كُل مُشارك كنوع من التحفيز؟ طيب مُمكن أنا أشارك بصوتين وتحجز لى أسبوع في نيوجيرسى أغيَّر فيهم جَو وأعمل شوبنج؟ وماذا عن اللى يشترك بعشر أصوات؟ مُمكن تعملوله جمعية صغننة كدة ويتم تمويلها كيفما اتفق مع منحه الأحقية والقُدرة على طرح المُبادرات إياها فيما بعد، خاصةً مع الاتجاه العالمى السائد من أجل توحيد تسعيرة المُبادرات المُماثلة؟!
وبفرض أن الشعب كُله شارك في الاستفتاء المزعوم، فمَن يضمن لنا ألا يُشكك (سعد) ومَن خلفه في نزاهة الاستفتاء ونتيجته اللى مش هتعجبهم؟ طيب لو أحجم الشعب عن المُشاركة ومحدش عبَّره، مَن يضمن لنا برضو ألا يشكو (سعد) لطوب الأرض في مصر وأمريكا من قيام السُلطة بمنع الناس من المُشاركة في الاستفتاء؟ وباختصار كيف نضمن أن يرتضى (سعد الدين إبراهيم) بنتيجة الاستفتاء الشعبى بينما هو لم يرتض بنتيجة انتخابات مجلس الشعب نفسها، رغم أنه لا مُقارنة منطقية أصلًا بين أهمية مجلس الشعب في تسيير أمور البلد والناس، وبين تفاهة المُبادرة محل النقاش؟!
إذن الهدف من كُل الهرى المُستمر طوال الأسبوع هو مُجرَّد الدخول في متاهة، والانغماس في حالة مستديمة من الجدل بلا نهاية، نطرح من خلالها فرضية يؤمن بها أبو مُبادرة جنان وهى أن الإرهابيين مش إرهابيين.. وكما قال أهالينا الزن على الودان أمرّ من السحر، ويوم بعد يوم سيكون علينا أن نستسلم لتخلخل (سعد) ورفاقه في أفكار المُجتمع الرافضة لهذه العصابة، ومن ثم إعادة سيرتها الأولى التي انخدع بها مُعظم المصريين قبل ثورة يناير 2011، ثم يتم غسيل سُمعة الإخوان تمامًا بمرور الوقت والمُبادرات والدفاع المُستميت عنهم، ومش بعيد نشوفهم في السُلطة تانى بعد ثورة أغسطس 2500!
يتبقى أمران، أو بالأحرى سؤالان؛ الأول هو أن (سعد الدين إبراهيم) قال أثناء طرحه للمُبادرة وشرحها مع مُلحقاتها طوال الأسبوع إنه لا يتلقى أية تمويلات من الخارج، وأن زوجته تتولى الإنفاق عليه، طيب هل تلقى الأموال ومن ثم استعادة الرجُل لهيئته ومكانته في البيت مشروط بهذه المُبادرة؟ يعنى لو استجبنا لطرحها وعمل الاستفتاء، هل سيعود (سعد) لتلقى التمويلات مثلًا ومن ثم يرجع يصرف على بيته؟!
الثانى: أقسم الدكتور (عصام النظامى) في لقاء مع الإعلامي (أحمد موسى) على صدى البلد يوم الأحد -أقسم بالله العظيم على الهواء أكثر من عشر مرَّات-أن الدكتور (سعد الدين إبراهيم) قال له-مُتفاخرًا ربما-أمام شهود في الفترة التي تلت ثورة يناير إنه يعمل في المُخابرات المركزية الأمريكية CIA، واستدرك الرجُل أنه يعمل معاهم لمصلحة مصر فحسب، وهُنا يواجهنا سؤالان نطرحهم بسُرعة بعدما تخطينا المساحة المُخصصة للمقال من زمان، وإن كُنا مُمكن نعمل استفتاء يُشارك فيه الشعب حول تخصيص مساحة أكبر للمقال بعد كدة، ومُمكن الدكتور (سعد) يتولى الموضوع دة لما يلاقى نفسه فاضى أو مش معاه فلوس!
السؤال الأول: كيف يعمل حضرته لصالح مصر عن طريق CIA بالتحديد؟ للعلم حكاية مصلحة مصر دى فضفاضة جدًا، فالناشط اللى غاوى توليع في البلد وقبض من الخارج وحرق وتخريب في الداخل بيقول إنه بيعمل لمصلحة مصر، والإرهابى صاحب التفجيرات وترويع الآمنين وإراقة الدماء وذبح الأطفال يكون دائمًا على يقين عميق ـ بغض النظر عن رؤيتنا ـ من أنه مش بيعمل لمصلحة مصر فحسب، لكن لمصلحة الإسلام نفسه، فأين براءة (سعد) من ذلك بصفته راجل متعلم ومُثقف وصاحب شهادة عُليا عن نفسى أنا مش عارف بيعمل بيها إيه، وليه قاعد من غير شُغل رغم إنه مُمكن يستغلها في التدريس في الجامعة أو حتى إعطاء الدروس الخصوصية للعيال بتوع ثانوى بدل البطالة وكسرة العين دى؟!
السؤال الثانى والأخير وآسف جدًا على الإطالة، ومُمكن أعتذر عن عدم كتابة مقال الأسبوع المُقبل واللى بعده كنوع من التعويض لحضرتك: هو إيه اللى مُمكن يعمله جهاز المُخابرات الأمريكية لصالح مصر أصلًا؟ والنبى وإنت غرقان في الضحك كدة أبقى حاول تبحث معايا عن إجابة شبه منطقية!