رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا يصنعون الانتحاري !


كيف يمكن لشاب في مقتبل العمر أن يقدم على حمل قنبلة ليفجرها بنفسه وسط مجموعة من الناس؟ كيف يمكن أن يقدم شاب حصل أو حتى لم يحصل على قدر من التعليم أن يقود سيارة ويقتحم بها مقرا أمنيا أو سوقا من الأسواق أو مبني من المباني وهو يعلم أنه أول الضحايا وأنه سيتحول قبل ضحاياه إلى أشلاء متناثرة؟ كيف يمكن أن يقدم شاب على ربط حزام ناسف على جسده ليفجره في شخص آخر أو مجموعة من الأشخاص لمجرد ـ لمجردـ أن يتأكد من تفجيرهم بنفسه وقتلهم والقضاء عليهم رغم أنه يمكن قتلهم بطريقة أخرى ؟!


للأسف الأسئلة تشغل بال الكثيرين وقبل عدة سنوات حاولت الإجابة عنها في تقرير مطول واليوم نحاول الإجابة عنها من جديد نظرا لاعتماد الجماعات الإرهابية على هذه العمليات إلى الحد الذي يصبح معه السؤال مهما: كيف يمكن أن ينصاع أحدهم أو بعضهم لقائد يطلب منه الذهاب إلى الموت؟

بالطبع لا يمكن بحال أن تطلب قيادة أي جماعة إرهابية من أي عضو فيها ذلك، حيث يجب أن يمر الانتحاري بدورة كبيرة مكثفة تجعل الحياة عنده تساوي الموت تماما.. بل أكثر من ذلك إذ إن إقباله على الموت يتفوق على تمسكه بالحياة وقبل هذه الدورة يتم وضعه في سلسلة من التعليمات ليتحول إلى شخص طيع مطيع يتقبل الأوامر،  تبدأ بمجموعة من الأحاديث الشريفة تدعو للطاعة والانصياع لولي الأمر أولها الحديث الشريف "إن كنتم ثلاثة  فأمروا" أي اختاروا أميرا لكم فما بالكم بالأعداد الكبيرة وبعده يأت الحديث-محل نظر من عدد كبير من متخصصي وأساتذة الحديث-الذي فيه "أطع أميرك وإن ضرب ظهرك وخذ مالك"، وهو مروي بصيغ مختلفة لكنها تتفق على مضمون واحد وبعدها يتم التطبيق العملي لأحاديث طاعة الأمير (ولي الأمر) فيتم التدريب على تكليفات محددة بعضها خطر وبعضها ساذج جدا ولا معني له كأن يطلبون من أحدهم الخروج فجرا لتوصيل رسالة مكتوبة لشخص آخر مع الالتزام بفتحها أمامه وعند فتحها مثلا تكون الرسالة من ورقة بيضاء لا شيء فيها وهنا يكون الهدف الطاعة دون سؤال مهما بلغت خطورة أو سذاجة التكليفات، لأن الأمير تجب طاعته لأنه الأعلم بالمصلحة!

بعدها وقبل التنفيذ بأشهر ينتقل الإرهابي المكلف إلى درجة أخرى وهي دورة مكثفة في قراءات ودروس هدفها بلوغه درجة السمو الروحاني يمنح فيها دروس عن قيمة الشهادة ومكانة الشهيد، وصور من أبرز صور الاستشهاد في الإسلام وأهم شهداء التاريخ الإسلامي والدعوة الإسلامية، ثم روايات عن كرامات الشهداء وما جري لأجسادهم ولأرواحهم ثم صور من نعيم الجنة وفضل الشهداء فيها ومعها قراءة القرآن وقيام الليل وصور من كتب الإسراء والمعراج بنسخه المختلفة و"ففروا إلى الله" لأبي ذر القلموني ورياض الصالحين ليحيى النووي الدمشقي وغيرها من كتب التعبئة للسير أو للهرولة إلى الجنة ونعيمها ومعها دروس عن الروح والجسد ومتي تفارق الروح جسدها وما يشعر به الموتي، والفرق بينه وبين ما يشعر به الشهيد وكيف أن اللحظة التي تفارق الروح الجسد بالرصاص أو القنبلة أو الغرق أو الأسلحة البيضاء" للمجاهد" في ميادين "الجهاد"..

هي نفسها اللحظة التي يجتمع فيها الشهيد مع من يحب وسبقه إلى الجنة وفيها تصور أن "الشهيد" من هؤلاء سيجتمع في اللحظة نفسها مع من يحبهم من الأنبياء والصحابة والصديقين والصالحين والشهداء وأقاربهم ممن رحلوا قبلهم !! وهكذا.. تتحول رحلة العمل الانتحاري وفق لهذ الجماعات الإرهابية إلى رحلة إلى الجنة!

وبعيدا عن سوء الفهم والتفسير لمعني الجهاد ولمعني الشهادة ولمفهوم الشهيد إلا إننا نتذكر الآن قول الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص وهو من هو في ميزان الصحابة الكبار الأجلاء وقد دعي إلى حروب الفتنة، إذ يقول وهو ينأي بنفسه عنها قوله الخالد "والله لن أقاتل الناس حتى تأتوني بسيف له لسان وشفتان ينطق ويقول هذا مسلم وهذا كافر"!!
الجريدة الرسمية