رئيس التحرير
عصام كامل

والشتاء العربي قادم


من حسنات -وآسف جدا لاستخدام الكلمة مسبقا- التفجيرات الإرهابية التي أودت بحياة ٣٤ مواطنًا، أو إنسانًا بريئًا، وجرح ٢٥٠ آخرين، في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، أنها قدمت للعالم واحدا من الطغاة الجدد الذين يتسابقون إلى البيت الأبيض، ليحكم العالم، ويحيل حياة الملايين إلى ليل أسود حالك وليكون مسوغا لطغيان قادة آخرين!

بطبيعة الحال، لم يفوت الملياردير المتطرف دونالد ترامب، الفرصة ليبدي كراهيته ومقته، وليتوعد بما سيفعله إن فاز بثقة الناخب الأمريكي، فأدلي بتصريحات أشبه بتلك التي يمارسها، ولا يعلنها، رؤساء في العالم المتخلف، ويمارسها ولا يعلنها رؤساء أجهزة أمنية. 

قال ترامب إنه كان يمكن إنقاذ حياة الذين صرعهم وأصابهم الإرهابيون، لو أن سلطات الأمن البلجيكية قامت بتعذيب المتهم الأول صلاح عبد السلام، العقل المدبر لتفجيرات باريس في نوفمبر الماضي، ولو فعلت لنطق بسرعة واعترف بمعلومات ساعدت الشرطة البلجيكية على إحباط الانفجارين المتزامنين في المطار وفي محطة المترو. أما طريقة التعذيب التي نصح بها دونالد ترامب، الذي يريد حكم دولة تتشدق بحقوق الإنسان وكرامته، فهي اتباع أسلوب الإيهام بالغرق أثناء التحقيق، وهو واحد من الأساليب القذرة التي اتبعتها أمريكا في التحقيق مع الإرهابيين الذين اعتقلتهم على خلفية تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن وفي نيويورك، داخل معتقل جوانتانامو وعلى أراضي دول أخرى صديقة في الشرق الأوسط!

أكثر من هذا أن المرشح الجمهوري المرتقب، أكد أنه سوف يغير من القوانين الأمريكية لكي تعادل قوانين داعش في التعذيب!
بعبارة أخرى، سيجعل داعش قدوة لواشنطن في أنماط التعذيب، واستخلاص المعلومات، وتابع بأنه سيسمح بأشكال أشد وأسوأ من أشكال التعذيب بالتغريق، وسيحد من القوانين الأمريكية التي تحظر ممارسته!

بالطبع، لا أدافع عن الإرهابي، بالطبع، لكن أشير إلى نتيجة حتمية وهي أن الإرهاب باسم الإسلام، أدى إلى نمو وصعود اليمين المتطرف، وكما أن داعش والقاعدة والنصرة تذبح على الهوية الدينية، فإن اليمين العنصري الصاعد بقوة في فرنسا وفي ألمانيا، وفي أمريكا، ترامب أوضح مثالا، قد جعل شعاره طرد المسلمين، ومطاردتهم والتحرش بهم والاستهزاء بحجابهم، وعاداتهم، فضلا عن نظرات التوجس والارتياب في كل من تحجبت أو كل من حمل ملامح إسلامية. 

نقلت داعش الحرب من سوريا والعراق إلى القارة الأوروبية وعلى الأرض الأمريكية،حتى لتكاد تشم رائحة الخوف في الشوارع والميادين وفي محطات القطارات، وجاءت تفجيرات باريس قبل أربعة أشهر وتفجيرات بروكسل قبل ثلاثة أيام، لتعطي مصداقية متزايدة في رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أرسل قواته وعتاده، ليحارب الإرهاب في معاقله وخارج روسيا، بتكلفة تدفعها البلاد التي يلوذ الإرهابيون بها بها، بدلا من أن ينتظر عليهم ليعودوا من الحاضنة الحنون، سوريا الممزقة!

معظم الإرهابيين في داعش شيشان وقوقاز ومن فرنسا!

طبعا هو قال فيما بعد إن سوريا كانت أفضل ميدان جرب فيه أسلحته وقواته.

لقد دفع العالم العربي الثمن الباهظ جراء تفجيرات ١١ سبتمبر في أمريكا، وما يسمى بثورات الربيع العربي، هي في الحقيقة من ثمار خطط عقاب المنطقة التي تولد الكراهية للغرب، ومع ذلك، يبدو بقوة أن اجتياح داعش والقاعدة لأوروبا، سيجعل الأخيرة تحارب معاركها على الأراضي العربية بمزيد من خطط عقابية تتجسد تحت مسمى جديد هو الشتاء العربي، وهو شتاء أسود حالك، قادم لا محالة.

تطرف يا مسلم، وأنا أيضا ساتجاوزك في التطرف لحد الجنون!
أنت تذبح عشرة أو مائة وأنا أذبح دولا وشعوبا وأدمرها.

الجريدة الرسمية