رئيس التحرير
عصام كامل

شرعنة التجسس


توحيد النمط الاستهلاكي، وذوبان الهوية، وسيادة نماذج جديدة لمفاهيم السيادة والوطنية، إضافة إلى شرعنة التجسس تحت عناوين براقة ومخادعة.. تلك هي أهم «مساوئ العولمة».. نأكل طعامًا واحدًا.. نشرب من معين واحد، ونلبس رداء واحدًا.. وهذا الواحد هو ما يلبسه، وما يشربه، وما يأكله الغرب.

 

تحت عناوين براقة منحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أربعة مليارات جنيه لمنظمات حقوقية مصرية، وأخرى غير مصرية للعمل في الشارع المصري.. تلك المبالغ التي حصل عليها مصريون وغير مصريين، لا يمكن أن نتصور أن البيت الأبيض مهموم بالإنسان المصري، فتاريخنا معهم يؤكد أن قتلانا ماتوا برصاصات أمريكية، وأن أراضينا احتلت بدبابات أمريكية، وأن حكامنا حكمونا بالحديد والنار وفق إرادة ودعم أمريكيين.

 

ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن إخراج قضية التمويل من أدراج جهات التحقيق إلى منصة القضاء هو القرار الأجرأ؛ لأنه ببساطة شديدة إعلان رسمي عن مواجهة حقيقية بين القاهرة وواشنطن.. القاهرة تدافع عن شرفها وواشنطن تدافع عن صلفها.. والقاهرة التي أخرجت هذا الملف أيام طنطاوي سرعان ما ابتلعته مرة أخرى، بعد أن كشرت واشنطن عن أنيابها، وتم تهريب عملاء أمريكا ليلًا في فضيحة لا يزال صداها يلفظ عاره على كل من تورط في ذلك.

 

إن كان إخراج الملف هو من قبيل «المستمسكات» أو تحت شعار «تراعيني قيراط أراعيك قيراطين»، فإن صانع القرار المصري سيخسر كثيرا.. وإن كان إخراج الملف غير محسوب العواقب فإن صانع القرار المصري سيعانى كثيرا.. أما إذا كان إخراج الملف هو واحدة من صور التحدي بين الهوية الوطنية ومحاولات شرعنة التجسس فإننا نقول لصانع القرار المصري فلنذهب لنقاتل معًا من أجل شرف الأمة.

 

القضية لها شق شعبي لا يمكن إغفاله؛ إذ لابد أن نطرح على الرأى العام كافة التفاصيل، وعلى الشعب دور فرض الحصار على كل المتاجرين بالوطن.. على الشعب أن يحاصر السفير الأمريكي بالقاهرة.. حصار المنبوذين.. نعامله معاملة السفير الصهيوني بالقاهرة.. لا نخاطبه ولايخاطبنا.. لا ندعوه ولا نقبل دعوته.. لا نحادثه ولا يحادثنا.. نسلط الضوء على كل المتعاملين معه باعتبارهم يطبعون مع سفير بلاد قال رئيسها أوباما: "الولايات المتحدة سوف تدعم منظمات المجتمع المدنى في مصر سواء كانت مسجلة أو غير مسجلة"!!

 

هذا الصلف الأمريكي يدعونا إلى التعامل مع واشنطن باعتبارها عدوا يعمل على فرض أجندته رضينا أم أبينا، إذ يكفى أن نعيد قراءة شهادة الدكتورة فايزة أبو النجا في القضية لكي نعرف حجم المؤامرة الأمريكية على ثورة يناير، وكيف أنفقت كل هذه الأموال لوأدها من خلال أذنابهم في القاهرة، فيما يعرف بقضية التمويل الكبرى التي تورطت فيها عدة جنسيات بما فيها أمريكان.

 

هذه القضية.. ليست منصة وقاضيا.. بل تتعدى ذلك بكثير.. فهي قضية الذود عن الذات.. قضية حماية المعنى الحقيقي للوطنية.. قضية الدفاع عن سيادة مصر وشرفها.. قضية المواجهة بين الحق والباطل.

الجريدة الرسمية