رئيس التحرير
عصام كامل

الخروج الروسي.. حسم للحرب الكونية على سوريا


قبل خمسة أعوام بدأت الحرب الكونية على سوريا في إطار مشروع منظم أعده الغرب الاستعمارى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة يتم من خلالها تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وكان المستهدف الرئيسي هو تحويل الكيان الصهيونى إلى القوى الأكبر في المنطقة وإنهاء الحرب الباردة "العربية – الإسرائيلية" لصالح حرب "عربية - عربية" على المستوى الداخلى وكانت الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية جاهزة دائمًا كأداة فاعلة في يد المشروع الاستعمارى لتحقيق أهدافه الاستراتيجية..


وكانت أيضًا ورقة الجماعات الإرهابية التكفيرية جاهزة كأداة أخرى في يد المشروع لتنفيذ ما تأمر به، وكان الجنرال إعلام جاهزًا كأداة ثالثة لتنفيذ المشروع، وبالطبع وكعادته دائمًا كان المال النفطى أداة رابعة تم من خلاله تنفيذ المشروع والمخطط التقسيمي، ومع أن المشروع قديم حيث كان يسير وفق استراتيجية فردية بطيئة وكان ينتقل من بلد عربي إلى آخر فبدأ بالعراق والسودان والصومال، لكنه وجد الفرصة سانحة لهجمة شاملة في إطار ما أطلقوا عليه الربيع العربي المزعوم، وبالطبع كانت سوريا واحدة من أهم الدول العربية المستهدفة.

لماذا استهدفت سوريا ؟ لأنها الدولة العربية الوحيدة التي قررت قيادتها منذ زمن طويل الحفاظ على المشروع القومى العربي المقاوم، فحافظت على استقلالية قرارها السياسي عبر مشروع تنموى مستقل معتمد على الذات، وعندما بدأت الحرب كانت سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع لذلك لم يكن هناك أي مبرر موضوعي لثورة شعبها على عكس ما حدث في تونس ومصر واليمن على سبيل المثال.

ومنذ اللحظة الأولى لبداية الحرب الكونية على سوريا أدركت قيادتها حجم المؤامرة لذلك قامت وبمهارة فائقة إدارة الحرب من خلال عقد تحالفات استراتيجية مع بعض القوى الإقليمية والدولية على أرضية المصلحة المتبادلة وكانت إيران هي الحليف الإقليمى الأبرز الذي تربطه علاقات مصلحة كبيرة مع سوريا وهزيمة سوريا تهدد مصلحته لذلك وقف خلفها بقوة حفاظًا على مصالحه الاستراتيجية..

أما على المستوى الدولى فكانت روسيا هي الحليف صاحب المصلحة الأكبر، فهزيمة سوريا يعنى أنها قد فقدت وجودها إلى الأبد في منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع إلى جانب الوجود الوحيد لها على المتوسط في طرطوس كان مشروع مد الغاز القطرى إلى أوروبا عبر سوريا جاهزًا ليضر بمصالحها الاقتصادية. 

ومن هنا جاء الوقوف المبكر وبشراسة خلف سوريا، خاصة في المحافل الدولية، حيث شكل الفيتو الروسي حائط صد لإجهاض أي محاولة للتدخل العسكري المباشر في سوريا حفاظًا على مصالحها الاستراتيجية، ويمكننا أن نؤكد أن الحرب الكونية على سوريا والدور الروسي بها هو من أعاد لروسيا قيمتها ووزنها كقوى دولية كبيرة على المستوى العالمى وأنهى بشكل قاطع الدور الأمريكى الأوحد.

وحين اشتدت الحرب الكونية على سوريا وأصبح الجيش العربي السورى بعتاده وسلاحه ومنظومته الصاروخية الدفاعية غير قادر على حسم المعركة على الأرض في ظل الدعم الأمريكى والأوروبي والصهيونى والعربي للجماعات التكفيرية الإرهابية التي جاءت من كل أصقاع الأرض ومدتها بعتاد وأسلحة متطورة، وحين أعلنت أمريكا عن تحالف دولى لمكافحة الإرهاب على الأرض السورية كان الهدف منه مد الجماعات الإرهابية بمزيد من السلاح والعتاد لمواصلة الحرب ضد الجيش العربي السورى، هنا كان لابد من التدخل الروسي وبقوة، وبالفعل تدخلت روسيا ومدت الجيش العربي السورى بأكبر منظومة صاروخية دفاعية روسية استخدمت خارج أراضيها..

ووجه الطيران الروسي ضربات موجعة للجماعات الإرهابية على الأرض عبر ستة أشهر مكنت الجيش العربي السورى من التقدم والسيطرة وتحرير الأرض المغتصبة من يد الجماعات الإرهابية التي اضطرت تحت الضربات المكثفة من الفرار والهروب من المصير المحتوم على يد قوات الجيش العربي السوري، وفى ظل الانتصارات كانت الدبلوماسية الروسية والسورية تدير معركة أخرى على طاولة المفاوضات السياسية حققت فيها تقدمًا كبيرًا، فالنجاح والانتصار على الأرض يصاحبه نجاح وانتصار على طاولة المفاوضات حتمًا.

هنا وجد الحليف الروسي الوقت مناسب للخروج ليضرب مثلا للعالم كله كيف تكون التحالفات الاستراتيجية بين الأصدقاء فالهدف من التدخل حماية الصديق والحليف وليست أطماعًا في أرضه، وأحدث الخروج المفاجئ انتشارًا للشائعات بأنه تخلٍ عن سوريا في معركتها وحربها الكونية، وبالطبع كان ردنا على هذا أن مصالح روسيا منذ بداية الحرب كما هي لم تتغير بل زادت، وما الخروج الآن إلا بعد التأكد من حسم المعركة لصالح سوريا ولقناعة روسيا أن الجيش العربي السوري البطل الذي خاض المعركة على الأرض منفردًا منذ بدايتها يستطيع الآن حسمها منفردًا وتجفيف كل منابع الإرهاب بعد أن تركت له روسيا أكبر منظومة صاروخية دفاعية رادعة..

ولعل تصريحات الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الأخيرة قد حسمت الأمر، حيث أكد أن قواته المنسحبة على استعداد للعودة في أي وقت وبأقصى سرعة إذا طلبت سوريا وإذا استدعى الأمر ذلك، وبالطبع يعد الخروج الروسي حسمًا للحرب الكونية على سوريا، وبداية لحل سياسي على طاولة المفاوضات.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية